[(كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ * كِراماً كاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) ٩ - ١٢].
(كَلَّا) ارتدعوا عن الاغترار بكرم الله والتسلق به، وهو موجب الشكر والطاعة، إلى عكسهما الذي هو الكفر والمعصية. ثم قال: (بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) أصلا وهو الجزاء، أو دين الإسلام. فلا تصدّقون ثواباً ولا عقاباً وهو شر من الطمع المنكر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجملة الثانية بياناً للأولى. وقال: وقيل: ما: شرطية، وشاء: في موضع الجزم، وركبك: جواب الشرط، ولا يكون الجار على هذا صلة ﴿رَكَّبَكَ﴾؛ لأنه يقال: إن تضرب زيداً أضرب عمراً، لا يجوز تقديم "عَمراً" على إن، فوجب أن تكون ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ﴾: صلة مُضمر، ولا تكون من صلة "عدلك"؛ لأنه استفهام، والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله. فعلى هذا، في كلام المصنف إشكال؛ لأنه جعله من صلة عدلك في الوجه الأخير. والجواب: التقدير: فعدلك فيما يقال في حقه: أي صورة ما شاء ركبك.
قوله: (﴿كَلَّا﴾ ارتدعوا عن الاغترار بكرم الله)، يعني: ﴿كَلَّا﴾: ردع، لما دل عليه قوله: ﴿مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾. وقوله: إلى عكسهما، متعلق بقوله: "والتسلق به". وقوله: "وهو موجب الشكر والطاعة"، حال، أي: انتهوا عن الاغترار بكرم الله والتسلق به إلى الكفران والمعصية، والحال أن التسلق بكرم الله عز وجل موجب الشكر والطاعة.
قوله: (وهو شر من الطمع المنكر)، يعني: في قوله: ﴿مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ كما سبق، ففيه ترَقٍّ من الأهون إلى الأغلظ. قال القاضي: ﴿بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ﴾: "إضراب إلى بيان ما هو السبب الأصلي في اغترارهم".
الراغب: "بل هاهنا التصحيح الثاني وإبطال الأول، كأنه قيل: ليس هنا ما يقتضي أن يغرهم به تعالى، ولكن تكذيبهم هو الذي حملهم على ما ارتكبوه".


الصفحة التالية
Icon