وروي أن رسول الله ﷺ قدم المدينة وكانوا من أخبث الناس كيلاً، فنزلت، فأحسنوا الكيل. وقيل: قدمها وبها رجلٌ يعرف بأبي جهينة ومعه صاعان: يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر. وقيل: كان أهل المدينة تجاراً يطففون، وكانت بياعاتهم المنابذة والملامسة والمخاطرة، فنزلت. فخرج رسول الله ﷺ فقرأها عليهم، وقال: «خمسٌ بخمسٍ» قيل: يا رسول الله، وما خمسٌ بخمسٍ؟ قال: «ما نقض قومٌ العهد إلا سلط الله عليهم عدوّهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الراغب: "الطفيف: الشيء النزر، ومنه الطفافة: لما لا يعتد به، وطفف الكيل: قلل نصيب المكيل له في إيفائه واستيفائه".
قوله: (وكانوا من أخبث الناس كيلاً)، روى ابن ماجه، عن ابن عباس، أن رسول الله؟ لما قدم المدينة كانوا أخبث الناس كيلاً، فأنزل الله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ﴾؛ فأحسنوا الكيل بعد ذلك.
قوله: (المنابذة والملامسة والمخاطرة)، النهاية: المنابذة في البيع هو أن يقول الرجل لصاحبه: انبذ إلىَّ الثوب، أو أَنبِذه إليك، ليجب البيع. وقيل: هو أن يقول: إذا انتبذت إليك الحصاة وجب البيع، فيكون البيع مُعاطاة من غير عقد، ولا يصح أن يقال: نبذت الشيء أو لمست ثوبك فقد وجب البيع. وقال: والخطر بالتحريك، في الأصل: الرَّهن، وما يخاطر عليه، ولا يقال إلا في الشيء الذي له قدر ومنزلة. وقيل: المخاطرة: بيع الغرر، مثل بيع الطير في الهواء والسمك في الماء.