كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلو، كما يقال: تكرم الكريم، وترحم الرحيم: إذا بلغا جهدهما في الكرم والرحمة، وتكلفا فوق ما في طبعهما. (وأَذِنَتْ لِرَبِّهَا) في إلقاء ما في بطنها وتخليها.
[(يَا أَيُّهَا الإنسَانُ إنَّكَ كَادِحٌ إلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ • فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ • فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا • ويَنقَلِبُ إلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا • وأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ ورَاءَ ظَهْرِهِ • فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا • ويَصْلَى سَعِيرًا • إنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا • إنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ • بَلَى إنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا) ٦ - ١٥]
الكدح: جهد النفس في العمل والكد فيه حتى يؤثر فيها، من كدح جلده: إذا خدشه. ومعنى: (كَادِحٌ إلَى رَبِّكَ) جاهد إلى لقاء ربك، وهو الموت وما بعده من الحال الممثلة باللقاء (فَمُلاقِيهِ) فملاق له لا مجالة لا مفر لك منه، وقيل: الضمير في (ملاقيه) للكدح (يسيراً)، سهلاً هيناً لا يناقش فيه ولا يعترض بما يسوؤه ويشق عليه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (الكدح: جهد النفس في العمل)، الراغب: "الكدح: السعي والعناء، قد يستعمل استعمال الكدم في الأسنان. قال الخليل: الكدح دون الكدم".
قوله: (من الحال الممثلة باللقاء)، قال في العنكبوت: "لقاء الله مثل للوصول إلى العاقبة، من تلقى ملك الموت والبعث والحساب والجزاء. مُثلت تلك الحال، بحال عبد قدم على سيده بعد عهد طويل، وقد اطلع مولاه على ما كان يأتي ويذر، فإما أن يلقاه ببشر وترحيب لما رضى من أفعاله، أو بضد ذلك لما سخط منها".
قوله: (وقيل: الضمير في "مُلاقيه" للكدح)، وهو على تقدير حذف مضاف، أي: فمُلاق جزاء كدحك من خير وشر، وعلى هذا قوله: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ﴾ إلى آخره تفصيل له،


الصفحة التالية
Icon