نبههم على النظر في أنفسهم أولا؛ لأنها أقرب منظور فيه منهم، ثم على النظر في العالم وما سوى فيه من العجائب الشاهدة على الصانع الباهر قدرته وعلمه من السماوات والأرض والشمس والقمر (فِيهِنَّ): في السموات، وهو في السماء الدنيا؛ لأن بين السموات ملابسة من حيث أنها طباق، فجاز أن يقال: فيهن كذا وإن لم يكن في جميعهن، كما يقال: في المدينة كذا وهو في بعض نواحيها.
وعن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما: أن الشمس والقمر وجوههما مما يلي السماء وظهورهما مما يلي الأرض. (وجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا) يبصر أهل الدنيا في ضوئها كما يبصر أهل البيت في ضوء السراج ما يحتاجون إلى إبصاره، والقمر ليس كذلك، إنما هو نور لم يبلغ قوة ضياء الشمس. ومثله قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً والْقَمَرَ نُورًا) [يونس: ٥]، والضياء أقوى من النور.
استعير الإنبات للإنشاء، كما يقال: زرعك الله للخير، وكانت هذه الاستعارة أدل على الحدوث، لأنهم إذا كانوا نباتا كانوا محدثين لا محالة حدوث النبات، ومنه قيل للحشوية: النابتة والنوابت، لحدوث مذهبهم في الإسلام من غير أولية لهم فيه، ومنه قولهم: نجم فلان لبعض المارقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أقرب منظور فيه منهم)، "منهم" صلة "أقرب"، يقال: قَرُب منه. وإضافة "أقرب" إلى النكرة، نحو: زيد أفضل رجل، أي: إذا عدَّد وفصَّل كل واحد من المنظور فيه، واحداً واحداً، تكون أنفسهم أقرب إليهم من الجميع لا محالة.
قوله: (لبعض المارِقة)، النهاية: "المارِقون: الخوارج، وفي الحديث: "يَمرقون من الدِّين مُروق السَّهم من الرَّمِية"، أي: يجوزونه ويتعدَّونه".