هو الحق الذي لا ينقمه إلا مبطل منهمك في الغي، وإن الناقمين أهل لانتقام الله منهم بعذاب لا يعدله عذاب، (واللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) وعيد لهم، يعني أنه علم ما فعلوا، وهو مجازيهم عليه.
[(إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ولَهُمْ عَذَابُ الحَرِيقِ • إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الفَوْزُ الكَبِيرُ) ١٠ - ١١]
ويجوز أن يريد بالذين فتنوا: أصحاب الأخدود خاصة، وبالذين آمنوا: المطروحين في الأخدود. ومعنى فتنوهم عذبوهم بالنار وأحرقوهم، (فَلَهُمْ) في الآخرة، (عَذَابُ جَهَنَّمَ) بكفرهم، (ولَهُمْ عَذَابُ الحَرِيقِ) وهي نار أخرى عظيمة تتسع كما يتسع الحريق بإحراقهم المؤمنين. أو لهم عذاب جهنم في الآخرة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأوصاف"، يعني: إنما لم يكتف بقوله ﴿إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا﴾، وذكر اسم الله وأجرى عليه تلك الأوصاف العظيمة، ليقرر أن وصف الإيمان الذي عابوا منهم، وصف عظيم له جلاله، وأن من قصد صاحبه بالانتقام والعيب كان مبطلاً مبالغاً في الغيّ، فإن من يضاد الحق الأبلج، يستحق أن ينتقم منه بعذاب لا يعدله عذاب.
قوله: (كما يتسع الحريق بإحراقهم)، الأساس: "أحرقه بالنار وحرقته، واحترق ووقع الحريق في داره".
يريد أن عطف ﴿وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ على ﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ يقتضي المغايرة، فيحمل الأول على أنهم استحقوه لكفرهم، والثاني على أنهم كما أحرقوا المؤمنين يُحرقون بنار تشبه الحريق المشاهد في الاتساع، وأخّر عذاب الدنيا عن عذاب الآخرة مراعاة للفواصل؛ قال الإمام في الوجه الأول: "لما كان عذال جهنم بالنسبة إلى عذاب الحريق كلا عذاب، لأنه قد اجتمع فيه أنواع الإحراق، قيل له: عذاب الحريق".


الصفحة التالية
Icon