ولهم عذاب الحريق في الدنيا، لما روي أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم. ويجوز أن يريد: الذين فتنوا المؤمنين، أي: بلوهم بالأذى على العموم؛ والمؤمنين: المفتونين؛ وأن للفاتنين عذابين في الآخرة: لكفرهم، ولفتنتهم.
[(إنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ • إنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ ويُعِيدُ • وهُوَ الغَفُورُ الوَدُودُ • ذُو العَرْشِ المَجِيدُ • فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) ١٢ - ١٦]
البطش: الأخذ بالعنف؛ فإذا وصف بالشدة فقد تضاعف وتفاقم: وهو بطشه بالجبابرة والظلمة، وأخذهم بالعذاب والانتقام، (إنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ ويُعِيدُ) أي يبدئ البطش ويعيده. يعني: يبطش بهم في الدنيا وفي الآخرة، أو دل باقتداره على الإبداء والاعادة على شدة بطشه، وأوعد الكفرة بأنه يعيدهم كما أبدأهم ليبطش بهم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ويجوز أن يريد: الذين فتنوا المؤمنين، أي: بلوهم بالأذى على العموم)، معنى الآية تذييل للكلام السابق، وتوكيد لمعنى قوله: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾. وعلى الوجه السابق وهو أن يراد: بـ ﴿الَّذِينَ فَتَنُوا﴾ أصحاب الأخدود خاصة، وبـ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ المطروحين، يكون لمجرد معنى ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾، من باب المظهر الذي وضع أقيم موضع المضمر.
قوله: (أو دل باقتداره على الإبداء)، يريد أن قوله: ﴿إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾، استئناف على بيان موجب شدة البطش، ولما كان ﴿يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾ مُطلقين، تركهما في هذا الوجه على إطلاقهما، لإفادة أنه يُبدئ المخلوقات كلها ويعيدها بأسرها، كقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [يونس: ٤]. فمن كان كذلك كان قادراً على الإطلاق، وكان بطشه شديداً لاقتداره العظيم. وصرح بالمفعول في الوجهين: أما في الأول، فالمفعول البطش لدلالة ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ﴾، وأما في الثاني فضمير الكفرة المار ذكرهم، ليؤذن بضرب من الوعيد كما قال.