أو قال: إلا ما شاء الله، يعني: القلة والندرة، كما روي أنه أسقط آية في قراءته في الصلاة، فحسب أبى أنها نسخت، فسأله فقال: نسيتها أو قال: إلا ما شاء الله، الغرض نفي النسيان رأساً كما يقول الرجل لصاحبه: أنت سهيمي فيما أملك إلا فيما شاء الله، ولا يقصد استثناء شيء، وهو من استعمال القلة في معنى النفي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والفرق بين الوجه الأول والثاني، هو أن الإقراء على الأول محمول على رعاية مصالح الدين، فالأنسب أن الإنسان يُحمل على ما يجب أن يُنسى كالنسخ. وعلى الثاني كان الإقراء الحفظ، فاحتيج إلى التكرار؛ وإنما تكرر لأن يستقر ولا يُنسى فيتذكر، وإليه أشار بقوله: "ثم تذكره بعد النسيان".
وثالثها: قوله: "قال: إلا ما شاء الله، يعني: القلة والنُّدرة"، أي: أصل الحكم، أي لا ينساه البتة، لأن النسيان غير مطلوب أصالة، قال الإمام: "ويشترط أن لا يكون ذلك القليل من واجبات الشرع، بل من الآداب والسنن، لأنه لو نسى شيئاً من الواجبات لاختل أمر الشرع".
وأما الثاني، فقوله: "قال: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾، والغرض نفي النسيان"، وذلك على سبيل المبالغة، أي أنه تعالى لم يشأ النسيان، فلا يقع على مذهبه لقوله تعالى: ﴿وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا﴾ [الأعراف: ٨٩]، قال المصنف: "عودهم في ملتهم مما لن يشاءه الله"، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَايْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الكهف: ٢٣ - ٢٤]، قال: " ﴿إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ﴾ في معنى كلمة: تأبيد، كأنه قيل: لا تقولنه أبداً".
قوله: (وهو من استعمال القلة في معنى النفي)، مثاله: قل رجل يقول كذا، أي: ما رجل يقول كذا.


الصفحة التالية
Icon