يعني: حفظ الوحي. وقيل للشريعة السمحة التي هي أيسر الشرائع وأسهلها مأخذاً. وقيل: نوفقك لعمل الجنة.
فإن قلت: كان الرسول ﷺ مأموراً بالذكرى نفعت أو لم تنفع، فما معنى اشتراط النفع؟
قلت: هو على وجهين، أحدهما: أن رسول الله ﷺ قد استفرغ مجهوده في تذكيرهم، وما كانوا يزيدون على زيادة الذكرى إلا عتوا وطغياناً، وكان النبي ﷺ يتلظى حسرة وتلهفاً، ويزداد جداً في تذكيرهم وحرصاً عليه، فقيل له: (ومَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وعِيدِ) [ق: ٤٥]، فاعرض عنهم وقل سلام،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال: "يعلم ما أسررتم وما أعلنتم من أقوالكم وأفعالكم" إلى آخره، فيكون الخطاب في ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ لكل أحد، ويقويه ما روينا من حديث عقبة بن عامر: "لما نزلت ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾، قال: اجعلوها في سجودكم.
والوجه الأول، وهو ن يختص الخطاب برسول الله؟، أظهر وأوفق لتأليف النظم، لما ذكر أن نبي الله؟، كان يعجل بالقراءة إذا لقنه جبريل عليه السلام، فقيل له: لا تعجل، وسبح باسم ربك الأعلى الذي له تلك القدرة الكاملة من الخلق والتسوية وكيت وكيت، وله ذلك العلم الشامل من الإحاطة بالسر وأخفى. ثم عقب الأمر بقوله بالتسبيح ما كان مهتماً بشأنه من الخلق من قوله: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى﴾، ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾، جزاءً لالتجائه إلى القادر على كل مقدور والعالم بكل معلوم، ووسط أحد الوصفين، أعني العلم، بين المعطوفين، لكونه أقرب من الآخر إلى المقصود، وإليه الإشارة بقوله: "والله يعلم جهرك معه، وما في نفسك مما يدعوك إلى الجهر"، ثم أتبع ذلك ما هو مبعوث به ومرسل إلى الخلق لأجله من قوله: "فذكِّر".
قوله: (﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق: ٤٥]، فأعرض عنهم وقل: سلام)، أي: أعرض عن هؤلاء الذين كررت التذكير معهم، وألزمت الحجة عليهم، وذكر لمن ينفع التذكير