(فَذَكِّرْ إن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى) وذلك بعد إلزام الحجة بتكرير التذكير. والثاني: أن يكون ظاهره شرطاً، ومعناه ذما للمذكرين، وإخباراً عن حالهم، واستبعاداً لتأثير الذكرى فيهم، وتسجيلاً عليهم بالطبع على قلوبهم، كما تقول للواعظ: عظ المكاسين إن سمعوا منك. قاصداً بهذا الشرط استبعاد ذلك، وأنه لن يكون،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معهم ممن يخاف وعيد الله، فيطابقه قوله: ﴿وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق: ٤٥].
وقلت: النظم يساعد قول الواحدي ومحيي السنة، قالا: "عِظْ يا محمد أهل مكة إن نفع التذكير أو لم ينفع، لأنه صلوات الله عليه بُعث مبلغاً للإنذار، فعليه التذكير في كل حال نفع أو لم ينفع، تأكيداً للحجة واكتساباً للمثوبة، ولم يذكر الحالة الثانية كقوله تعالى: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: ٨١]، ليوافق قوله: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى﴾ [الأعلى: ١٠ - ١٢] ".
قوله: ﴿فَذَكِّرْ﴾، يعني: منك التذكير، ومنهم الإقبال والقبول أو الاجتناب والإباء، وللأولين الفلاح والنجاح، وللآخرين الصَّلْي بالنار الكبرى. "واعلم أن الناس في أمر المعاد على ثلاثة أقسام: منهم من قطع بصحته، ومنهم من جوز وجوده، ولكنه غير قاطع فيه لا بالنفي ولا بالإثبات، ومنهم من أصر على إنكاره. والقسمان الأولان ينتفعون بالتذكير بخلاف الثالث، ولذلك قال: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى﴾. ولما كان الانتفاع بالذكرى مبنياً على حصول الخشية في القلب، وصفات القلوب مما لا اطلاع لأحد عليها، وجب على الرسول تعميم الدعوة تحصيلاً للمقصود، لأن المقصود تذكير من ينتفع بالتذكير، ولا سبيل إليه إلا بتعميم التذكير"، هذا تلخيص كلام الإمام.
قوله: (المكاسين)، أي: العشارين، الجوهري: "المكاس: العشار، والمكس: ما يأخذه العشار".


الصفحة التالية
Icon