يدق الظلمة بإنكاره، ويقصع أهل الأهواء والبدع باحتجاجه.
[(فَأَمَّا الإنسَانُ إذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ ونَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ • وأَمَّا إذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) ١٥ - ١٦]
فإن قلت: بم اتصل قوله: (فَأَمَّا الإنسَانُ)؟
قلت: بقوله: (رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) كأنه قيل: إن الله لا يريد من الإنسان إلا الطاعة والسعي للعاقبة، وهو مرصد بالعقوبة للعاصي؛ فأما الإنسان فلا يريد ذلك ولا يهمه إلا العاجلة وما يلذه وينعمه فيها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والتعظيم. ثم وصفه بفراس وفيه مبالغتان: البناء ومعنى التتميم، لأنه كالترشيح للتشبيه. ثم إقحام "كان" للدلالة على أن هذا الوصف لازم، كالخلقي لقوله: ﴿وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا﴾ [الإسراء: ١١]. وعمرو هذا كان معتزلياً، طعن فيه مسلم في "صحيحه"، وقد ذكرنا نبذاً من أخباره في سورة الكهف.
قوله: (ويقصع)، "قصعت الرجل قصعاً: صغرته وحقرته، وقصعت هامته إذا ضربتها بُبسط كفك".
قوله: (كأنه قيل: إن الله لا يريد من الإنسان إلا الطاعة)، الانتصاف: "هذا من فاسد الاعتقاد، ويُغير بأن يقال: لا يطلب ولا يأمر عباده إلا بالطاعة". وقلت: خلاصة الجواب أن الفاء في ﴿فَأَمَّا الْإِنسَانُ﴾، رابطة بين الكلامين، ومؤذنة بالبون بين الأمرين المتنافين، وذلك أنه تعالى يطلب من العباد الطاعة والعبادة، وهو بالمرصاد كالمترقب الذي لا يفوته شيء من أعمال عباده، فيحاسبهم على النقير والقطمير ويجازيهم عليها، والإنسان غافل مولع بالتلهي، ومنغمس في أمور العاجلة، إن أصابه نصيب من الدنيا اطمأن إليه، وإن جاوزه حظ منها ضجر وقنط.