فإن قلت: فكيف توازن قوله، (فَأَمَّا الإنسَانُ إذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) وقوله: (وأَمَّا إذَا مَا ابْتَلاهُ)، وحق التوازن أن يتقابل الواقعان بعد أما وأما، تقول: أما الإنسان فكفور، وأما الملك فشكور. أما إذا أحسنت إلى زيد فهو محسن إليك؛ وأما إذا أسأت إليه فهو مسيء إليك؟
قلت: هما متوازنان من حيث إنّ التقدير: وأما هو إذا ما ابتلاه ربه؛ وذلك أن قوله: (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) خبر المبتدأ الذي هو الإنسان، ودخول الفاء لما في (أما) من معنى الشرط، والظرف المتوسط بين المبتدأ والخبر في تقدير التأخير، كأنه قيل: فأما الإنسان فقائل ربي أكرمن وقت الابتلاء، فوجب أن يكون (فَيَقُولُ) الثاني خبراً لمبتدأ واجب تقديره.
فإن قلت: كيف سمى كلا الأمرين من بسط الرزق وتقديره ابتلاء؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فكيف توازن قوله ﴿فَأَمَّا الْإِنسَانُ﴾)، تقرير السؤال أن "أما" كلمة تفصيل، ولا يجيء إلا متعدداً، ومن شرط مدخولها التوازن بين الفقرتين، والتقابل بينهما؛ فإن كان بعد الأولى اسماً، فالواجب بعد الثانية الاسم نحو قولك: أما الكافر فكفور، وأما المؤمن فشكور. وإن كان شرطاً فشرطاً نحو قولك: أما إذا أحسنت إلى زيد فهو محسن إليك، وأما إذا أسأت إليه فهو مسيء إليك. وأما الاسم بعد الأولى والشرط بعد الثانية، فلا توازن بينهما كما في الآية. وأجاب أن الموازنة حاصلة، لأن "أما" التفصيلية تقتضي أن يكون مدخولها مبتدأ وخبره مقيد بالفاء. و"إذا" هاهنا ليست بشرط، بل هي ظرف، و ﴿فَيَقُولُ﴾ خبر المبتدأ، ودخول الفاء لتضمن "أمّا" معنى الشرط، وعلى هذا قوله: ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ﴾، فينبغي أن يقدر مبتدأ وهو ضمير "الإنسان"، وإليه الإشارة بقوله: "فوجب أن يكون ﴿فَيَقُولُ﴾ الثاني خبراً لمبتدأ واجب تقديره".


الصفحة التالية
Icon