جعلت (ما) مصدريةً في قوله: (وَما بَناها) (وَما طَحاها) (وَما سَوَّاها)، وليس بالوجه لقوله: (فَأَلْهَمَها) وما يؤدى إليه من فساد النظم، والوجه أن تكون موصولة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (جعلت (ما) مصدرية في قوله ﴿وَمَا بَنَاهَا﴾)، روى الواحدي عن عطاء: "والذي بناها، والكلبي: ومن بناها. وقال الفراء زالزجاج: (ما): بمعنى المصدر". الراغب: "تسوية الشيء: جعله سواء، إما في الرفعة أو الضعة. قوله تعالى ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ﴾ [الانفطار: ٧]، أي: جعل خلقك على ما اقتضت الحكمة، وقوله: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾، فإشارة إلى القوى التي جعلها مقومة للنفس، فنُسب الفعل إليها، لأن الفعل كما يصح أن ينسب إلى الفاعل، يصح أن ينسب إلى الآلة، نحو: سيف قاطع، وهذا أولى من قول من قال: أراد ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾، يعني: الله، لأن "ما" لا يعبر به عن الله، إذ هو موضوع للجنس، ولم يرد [به] سمع يصح".
قوله: (وما يؤدي إليه من فساد النظم)، وذلك أن ضمير الفاعل في قوله: ﴿فَأَلْهَمَهَا﴾ لله تعالى، والفاء فيه للترتيب؛ فلا يجوز: ونفس وتسويتها فألهمها الله، فلا بد من ذلك التقدير، فإذن يوجب النظم السري الموافقة بين سائر القرائن.
قال الإمام: "أورد القاضي عبد الجبار هذا القول وأبى إلا أن يكون مصدراً، لما يلزم من تقديم الأقسام بغير الله على أقسامه بنفسع عز وجل".
وأجاب الإمام عنه "بأن أعظم المحسوسات الشمس، فذكرها الله تعالى مع أوصافها الأربعة الدالة على عظمها، ثم ذكر ذاته المقدسة ووصفها بصفات ثلاث، ليحظى العقل بإدراك جلال اللع وعظمته كما يليق به، والحس لا ينازعه، فكان ذلك طريقاً إلى جذب العقل من حضيض عالم المحسوسات، إلى بيداء أوج كبريائه".


الصفحة التالية
Icon