ومعنى إلهام الفجور والتقوى: إفهامهما وإعقالهما، وأنّ أحدهما حسن والآخر قبيح، وتمكينه من اختيار ما شاء منهما بدليل قوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) فجعله فاعل التزكية والتدسية ومتوليهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نفساً خاصةً من بين النفوس، وهي النفس القدسية النبوية، وذلك أن كل كثرة لا بد لها من وحدة تكون هي الرئيس؛ فالمركبات جنس تحته أنواع، ورئيسها الحيوان، والحيوان جنس تحته أنواع، ورئيسها الإنسان، والإنسان أصناف ورئيسهم النبي، والأنبياء كثيرون، ورئيسهم المصطفى صلوات الله عليه".
قوله: (بدليل قوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾)، يريد أنه لما أسند التزكية والتدسية إلى ذي النفس، عُلم أنه متمكن من اختيار ما شاء من الفجور والتقوى، وعُلم أن المراد من إلهام الفجور والتقوى، إفهام الله لا خلقهما.
الانتصاف: "دس في كلامه نوعين من الباطل:
أحدهما: تفسير "ألهمها" بقوله: "أفهمها الفجور والتقوى، وأن أحدهما حسن والآخر قبيح". وظن الحسن والقبيح مُدركين للأحكام، إلا أنا لا ننكر أن العقل يدرك الأحكام الشرعية، بل لا بد في كل حكم شرعي من مقدمة عقلية موصلة إلى العقيدة، وسمعية دالة على خصوص الحكم.
وثانيهما: وهي التي كشف القناع عنها، وهي أن التزكية والتدسية ليستا مخلوقتين لله تعالى، وذكر فيها مجرد دعوى مقرونة بسفاهة. فنقول: لا شك أن الضمير يمكن عوده إلى الله تعالى وإلى ذي النفس، لكن عوده إلى الله تعالى أولى لوجهين:
أحدهما: أن الجمل سيقت سياقة واحدة من قوله: ﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾، وضمائرها


الصفحة التالية
Icon