والتزكية: الإنماء والإعلاء بالتقوى، والتدسية: النقص والإخفاء بالفجور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلها تعود إلى الله تعالى بالاتفاق، ولم يجر لغير الله تعالى ذكر. ومن ادعى عود الضمير إلى ذي النفس، فإنما يتمحله من حيث المعنى، وعود الضمير إلى ما جرى نطقاً أولى.
والثاني: أن الفعل في الآية التي استشهد بها، وهي قوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى﴾ [الأعلى: ١٤]، مطاوع "زكي"، فهذا أولى أن يدل لنا، وأن المعنى: قد أفلح من زكاه الله فتزكى، وعنده الفاعل في الآيتين واحد، وأضاف إليه الفعلين المختلفين، ويُحتاج في تصحيحه تعدد اعتبار ونحن عنه في غنى، ونحن لا ننكر أن تُضاف التزكية والتدسية إلى العبد لأنه فاعلهما، كما يضاف إليه طاعته ومعصيته؛ لأن له عندنا قدرة مقارنة، بل ننفي أن تكون قدرة العبد مؤثرة خالقة".
قوله: (والتزكية: الإنماء والإعلاء بالتقوى، والتدسية: النقص والإخفاء بالفجور)، راعى في التقدير معنى اللف والنشر مع الطباق المعنوي، ونبه به على التقابل المعنوي بين قوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾، وقوله: ﴿وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾، وأنهما متفرعان على قوله: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾، وقد لمح من القرينتين معنة قوله؟ :"الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله". أخرجه الترمذي عن شداد بن أوس، لأن الكياسة تقتضي الفلاح، وأن يفوز صاحبها ببغيه، ومن أتبع نفسه هواها خاب وخسر: وإنما قلنا: إن قوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾، متفرع على قوله: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾، لأن الأفعال الاختيارية موقوفة على حصول داعية مخلوقة لله تعالى، فليجرب العاقل نفسه، فإنه ربما يكون ذاهلاً عن شيء، فتقع صورته في قلبه، وينبعث منه ميل، ويترتب على الميل حركة الأعضاء، فيصدر منه الفعل.


الصفحة التالية
Icon