وأصل دسى: دسس، كما قيل في تقضض: تقضى. وسئل ابن عباٍس عنه فقال: أتقرأ: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى)] الأعلى: ١٤ [(وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً)] طه: ١١١ [.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الواحدي وصاحب "المطلع": "الإلهام أن يوقع في القلب التوفيق والخذلان؛ فإذا أوقع في قلب عبد شيئاً، فقد ألزمه ذلك الشيء"، روينا عن البخاري ومسلم وأبي داود، عن عمران بن حصين، أن رجلين من مُزينة أتيا رسول الله؟، فقالا: يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون فيه، أشيء قُضي عليهم ومضى فيهم، من قدر قد سبق، أو فيما يُستقبلون به مما أتاهم به نبيهم، وثبتت الحجة عليهم؟ فقال: لا بل شيء قُضي عليهم ومضى فيهم، وتصديق ذلك في كتاب الله: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾.
قوله: (وسئل ابن عباس عنه)، أي: عن فاعل زكى ودسى. وأجاب: أن فاعل ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى﴾ [الأعلى: ١٤]، وفاعل ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾، وفاعل ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ [طه: ١١١]، وفاعل ﴿وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ سواء، أي: الضمير المستتر في ﴿زَكَّاهَا﴾، عائد إلى "من"، والبارز إلى النفس، وكذا في ﴿دَسَّاهَا﴾. ولما كان ظاهر هذا التأويل موافقاً لمذهبه، قال: "وأما قول من زعم أن الضمير في "زكى" و"دسَّي" لله، فمن تعكيس القدرية"، وهو كلام خارج عن جراءة عظيمة، لما روينا عن مسلم والنسائي، عن زيد بن أرقم، أن رسول الله؟، قال: "اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها".
وروى الواحدي عن ابن عباس أنه قال: "قد أفلحت نفس زكاها الله تعالى، وأصلحها وطهرها ووفقها للطاعة، وخابت وخسرت نفس أضلها الله وأغواها"، ونحو منه في "معالم التنزيل". وقد تقرر عند صاحب "الانتصاف"، أن النظم لا يساعد إلا هذا التأويل.


الصفحة التالية
Icon