ولا نتركه حتى يبعث النبي الموعود الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فحكي الله تعالى ما كانوا يقولونه ثم قال: (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعنى أنهم كانوا يعدون اجتماع الكلمة والاتفاق على الحق إذا جاءهم الرسول، ثم ما فرقهم عن الحق ولا أقرهم على الكفر إلا مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ونظيره في الكلام أن يقول الفقير الفاسق لمن يعظه: لست بمنفك مما أنا فيه حتى يرزقني الله الغنى، فيرزقه الله الغنى فيزداد فسقًا، فيقول واعظه: لم تكن منفكًا عن الفسق حتى توسر، وما غمست رأسك في الفسق إلا بعد اليسار؛ يذكره ما كان يقوله توبيخًا وإلزامًا. وانفكاك الشيء من الشيء: أن يزايله بعد التحامه به، كالعظم إذا انفك من مفصله؛ والمعنى: أنهم متشبثون بدينهم ولا يتركونه إلا عند مجيء البينة. و (الْبَيِّنَةُ) الحجة الواضحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحكاية بزعمهم، وقوله: "وما تفرق الذين أوتوا الكتاب" إلزام عليهم؛ حكى الله كلامهم على سبيل التوبيخ والتعيير، وجاء به في بعض النُّسخ بدل قوله: "البينة: الحجة الواضحة": "البينة: القرآن، ﴿أَوَ لَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾ [طه: ١٣٣]، و ﴿رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ﴾: جبريل، وهو التالي للصحف المطهرة المنتسخة من اللوح، التي ذُكرت في سورة "عبس"، ولا بد من مضاف محذوف وهو الوحي، ويجوز أن يراد النبي؟. فإن قلت: كيف نسب تلاوة الصحف المطهرة إليه وهو أمي؟ قلت: إذا تلا مثل المسطور فيها كان تالياً"، وشرح هذه الرواية قوله: ﴿بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾، معناه أن القرآن فيه بيانن أو حجة ما في الكتب المتقدمة، أو هو مصداقها.
قوله: (التي ذُكرت في سورة عبس)، يعني: قوله ﴿فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ﴾ [عبس: ١٣]، أي: صحف منتسخة من اللوح، مكرمة عند الله، كقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: ٧٧ - ٧٩].
قوله: (لا بد من مضاف محذوف)، أي: القرآن وحي رسول من الله.


الصفحة التالية
Icon