فإن قلت: لم جمع بين أهل الكتاب والمشركين أوّلًا، ثم أفرد أهل الكتاب في قوله: (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ)؟
قلت: لأنهم كانوا على علم به لوجوده في كتبهم، فإذا وصفوا بالتفرق عنه كان من لا كتاب له أدخل في هذا الوصف. (وَما أُمِرُوا) يعنى في التوراة والإنجيل إلا بالدين الحنيفي، ولكنهم حرفوا وبدلوا،......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إلا بالدين الحنيفي)، كنى عن مجموع ﴿لِيَعْبُدُوا اللَّهَ﴾ إلى آخره، بالدين الحنيفي. وفي عطف ﴿وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ﴾، على ﴿لِيَعْبُدُوا اللَّهَ﴾ المقيد بالإخلاص، واختصاصهما بالذكر دون سائر العبادات، الدلالة على شرفهما واستبدادهما بشرط الإخلاص.
وقال الإمام: "ذلك المجموع كله، هو دين الملة المستقيمة المعتدلة، فكما أن مجموع الأعضاء بدن واحد، كذا هذا المجموع دين واحد. واحتج القائلون بأن الإيمان عبارة عن مجموع القول والاعتقاد والعمل بهذه الآية. وأجيب بأن المشار إليه المجموع، وهو محكوم بأنه الدين القيمة؛ فالدين غير ﴿الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾، لأن الدين القيم هو الدين الكامل المستقل بنفسه، وذلك إنما يكون إذا كان الدين حاصلاً، وكانت آثاره ونتائجه حاصلة معه، من الصلاة والزكاة وغيرهما؛ فإذا لم يوجد هذا المجموع، لم يكن الدين القيم حاصلاً، والنزاع في مجرد الدين".
فيقال: هذا الجواب ضعيف، لأن "القَيِّمَة" على القراءة الشاذة، أي: "وذلك الدين القيمة"، صفة مميزة فارقة للملة المستقيمة عن المعوجة، وهي غير دين المسلمين، لقوله تعالى: ﴿دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ١٦١]. وعلى المشهورة: مضاف إما إلى الملة المستقيمة، أو إلى الأمة القيمة بالحق، إضافة بيان كأنه قيل: وذلك دين المسلمين. الراغب: "الدين أعم من الإسلام، إذ هو يستعمل في الحق والباطل. والإسلام لا