قلت: معناه: وما أمروا بما في الكتابين إلا لأجل أن يعبدوا الله على هذه الصفة. وقرأ ابن مسعود: (إلا أن يعبدوا)، بمعنى: بأن يعبدوا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالتقدير: "وما أمروا بما في الكتابين إلا لأجل أن يعبدوا الله"، وهو استثناء من أعم عام المفعول له المقيد بقيد الإخلاص، قال الإمام: "هذا يدل على مذهب أهل السنة، حيث قالوا: العبادة ما وجبت لكونها مفضية إلى ثواب الجنة، أو إلى البُعد من عقاب النار، بل لأجل أنك عبد وهو معبود، وفيه أن من عبد للثواب والعقاب لم يكن مخلصاً. وفي الحقيقى الثواب والعقاب هما معبودان". وروى السُّلمي عن بعضهم، "أن الإخلاص ألا يطلع على عملك إلا الله، ولا ترى نفسك فيه. وتعلم أن المنة لله عليك في ذلك حيث أهلك لعبادته، ووفقك لها ولا تطلب من الله ثواباً. وعن سهل: نظر الأكياس في الإخلاص، وهو أن تكون حركات العابد وسكناته في سره وعلانيته لله تعالى وحده، لا يمازجه شيء".
قوله: (وقرأ ابن مسعود: "إلا أن يعبدوا"، بمعنى: بأن يعبدوا)، قيل: الأولى أن يقال: بمعنى: لأن يعبدوا؛ ليوافق القراءة المشهورة في المعنى؛ وإنما حمله على ذلك أن مقتضى الظاهر هو أن يقال: ما أُمروا إلا لعبادة الله؛ ليكون المأمور به مذكوراً، وإنما عدلنا عن هذا المعنى في المشهورة لوجود اللام، وإذ لم تكن اللام في هذه القراءة، فليُحمل على ما هو الظاهر، ولذلك سأل: ما وجه قوله ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ﴾؟ أي: الأصل أن يقال: بأن يعبدوا الله. وقيل عليه: إنه لما ورد المشهورة على ما ورد، عُلِمَ أن الغرض بيان أنهم إنما أمروا في التوراة بما أمروا، لأجل أن يعبدوا الله بالإخلاص، تحريضاً على الإخلاص وعدم الإشراك في العبادة، فيجب أن تُحمل القراءة الشاذة على المشهورة لهذا الغرض.