..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقلت: بل الغرض من السياق، إظهار توبيخ أهل الكتاب، والنعي على تعكيس أمرهم، لأن جملة قوله: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ﴾ الآية، إما حال من فاعل ﴿تَفَرَّقَ﴾ مقررة لجهة الإشكال، أو عطف على جملة قوله: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾، من باب تفويض ترتب الثاني على الأول، على خلاف المقتضي إلى ذهن السامع. يعني: كان من موجب اتفاق الكتابين، أعني ما معهم، وهذا القرآن المجيد على دين التوحيد، الموافقة مع من يوافقهم فيه ومعاضدته والتفادي عن مخالفته، والتفرق عنهم وهم قد عكسوا، قال تعالى: ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْ‍ئًا﴾ [آل عمران: ٦٤]. وهذا الغرض كما حصل من التعليل بأن قيل: وما أُمروا، وإنما قيل: في الكتابين لأجل أن يعبدوا الله مخلصين، قد يحصل من هذا التقرير أيضاً بأن يقال: وما أمروا بما في الكتابين إلا بعبادة الله مخلصين، لاسيما ظاهر عطف ﴿وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ يناسب الباء. ولذلك قال أبو البقاء في قوله: ﴿وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [الأنعام: ٧١ - ٧٢]: "قيل اللام بمعنى الباء، أو هي زائدة".
وقال الزجاج: "فيه وجهان: أحدهما أن يكون التقدير: وأُمرنا لنُسلم ولأن نُقيم، وأن يُحمل على المعنى، لأن المعنى: أُمرنا بالإسلام وبإقامة الصلاة".
وقلت: وأما قضية النظم، فإنه تعالى لما عير أهل الكتاب والمشركين في تقاعدهم عما وعدوا من أنفسهم، وما كانوا يقولون قبل المبعث: لا ننفك عن ديننا حتي يُبعث النبي الموعود، ثم بين ما لهم من الخزي دُنيا والنكال دُنيا وعُقبى، وما لأعدائهم من الذين قاموا على ما وعدوا تشويراً لأولئك وتحسيراً لهم، من قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ﴾ إلى آخر السورة،


الصفحة التالية
Icon