ليروا جزاء أعمالهم. وفي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم: (ليروا) بالفتح، وقرأ ابن عباس وزيد بن على: (يره) بالضم. ويحكى أنّ أعرابيا أخر (خَيْراً يَرَهُ) فقيل له: قدّمت وأخرت؛ فقال:

خذا بطن هرشى أو قفاها فإنّه كلا جانبي هرشى لهنّ طريق
والذرّة: النملة الصغيرة، وقيل: (الذرّ) ما يرى في شعاع الشمس من الهباء.
فإن قلت: حسنات الكافر محبطة بالكفر، وسيئات المؤمن معفوّه باجتناب الكبائر، فما معنى الجزاء بمثاقيل الذرّ من الخير والشر؟
قلت: المعنى فمن يعمل مثقال ذرّة خيرًا من فريق السعداء، ومن يعمل مثقال ذرّة شرًا من فريق الأشقياء؛ لأنه جاء بعد قوله: (يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (خُذا بطن هَرشى) البيت، هَرشى: عقبة في طريق مكة قريبة من "الجُحفة" لها طريقات؛ يخاطب صاحبيه ويقول لهما: سيرا في بطن هذه الثنية أو في قفاها، فإن كلا الجانبين طريقاً للإبل، وهذا مثل فيما سهل الطريق من الجانبين. قيل: كان الأعرابي ظن أن التقديم والتأخير في هذا الموضع جائز وهو خطأ، فإنه غفل عن اللطائف القرآنية، ولا معنى لإيراد البيت في هذا المقام، فكان تركه أولى؛ لأن العناية منوطة بالخير، والشر عارض، قال القاضي في قوله تعالى: ﴿مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ [الروم: ٤٤ - ٤٥]: " ﴿لِيَجْزِيَ﴾ علة لـ ﴿يَمْهَدُونَ﴾، والاقتصار على جزاء المؤمن للإشعار بأنه المقصود بالذات".
قوله: (لأنه جاء بعد قوله: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا﴾، يعني: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ تفصيل للناس، وهم فريقان: السُّعداء والأشقياء، أي: الآية مختصة.


الصفحة التالية
Icon