قلت: على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه؛ لأنّ المعنى: واللاتي عدون فأورين، فأغرن فأثرن. الكنود: الكفور، وكند النعمة كنودًا، ومنه سمي: كندة؛ لأنه كند أباه ففارقه. وعن الكلبي: الكنود بلسان كندة: العاصي، وبلسان بني مالك: البخيل، وبلسان مضر وربيعة: الكفور، يعنى: أنه لنعمة ربه خصوصًا لشديد الكفران؛ لأن تفريطه في شكر نعمة غير الله تفريط قريب لمقاربة النعمة، لأن أجلّ ما أنعم به على الإنسان من مثله نعمة أبويه، ثم إن عظماها في جنب أدنى نعمة الله قليلة ضئيلة. (عَلى ذلِكَ) على كنوده، (لَشَهِيدٌ) يشهد على نفسه ولا يقدر أن يجحده لظهور أمره. وقيل: وإنّ الله على كنوده لشاهد على سبيل الوعيد. (الْخَيْرِ) المال من قوله تعالى: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً)] البقرة: ١٨٠].......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه)، الانتصاف: "والحكمة في مجيئه فعلاً تصوير هذه الأفعال في النفس؛ فإن التصوير يحصل بإيراد الفعل بعد الاسم، لما بينهما من التخالف، وهو أبلغ من التصوير بالأسماء المتباينة، وكذلك التصوير بالمضارع بعد الماضي".
وقلت: وحظ هذا المقام من الفائدة، أنها إنما وصفت بالأوصاف الثلاث، ليرتب عليها ما قُصد من الظفر بالفتح وغلبة العدو، فأوقع الفعلين الماضيين مُسببين عن أسماء الفاعلين، فأفاد أن تلك المداومة إنما حققت هاتين البُغيتين.
قوله: (لأن تفريطه) تعليل لقوله: "إنه لنعمة ربه خصوصاً لشديد الكفران"، ومعنى الاختصاص مستفاد من تقديم معمول "لكنود" عليه، ومعنى الشدة من بناء "كنود" من "فعول"، وتصدر الجملة بإن واللام في الخبر.
قوله: (تفريط قريب)، أي: غير مجاوز للحد، وقوله: "لمقاربة" تعليل لقوله: "قريب"؛ من قولهم: شيء مقارب ومؤام وأمم، أي: وسط بين الجيد والرديء.
قوله: (﴿الْخَيْرِ﴾: المال)، الراغب: "الخير: ما يرغب فيه الكل، كالعقل والعدل والفضل والشيء النافع والشر ضده.


الصفحة التالية
Icon