ولكن الشياطين كانت تسترق في بعض الأحوال، فلما بعث رسول الله ﷺ كثر الرجم وزاد زيادة ظاهرة؛ حتى تنبه لها الإنس والجن، ومنع الاستراق أصلاً.
وعن معمر: قلت للزهري: أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية؟ قال: نعم. قلت: أرأيت قوله تعالى: (وإنا كُنَّا نَقْعُدُ)؟ فقال: غلظت وشدد أمرها حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم. وروى الزهري عن على بن الحسين، عن ابن عباس رضي الله عنهما: بينا رسول الله ﷺ جالس في نفر من الأنصار إذ رمى بنجم فاستنار، فقال: «ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية؟ فقالوا: كنا نقول: يموت عظيم أو يولد عظيم». وفي قوله (مُلِئَتْ) دليل على أن الحادث هو الملء والكثرة، وكذلك قوله (نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ)، أي: كنا نجد فيها بعض المقاعد خالية من الحرس والشهب، والآن ملئت المقاعد كلها، وهذا ذكر ما حملهم على الضرب في البلاد حتى عثروا على رسول الله ﷺ واستمعوا قراءته.
[(وإنا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) ١٠]
يقولون: لما حدث هذا الحادث من كثرة الرجم ومنع الاستراق، قلنا: ما هذا إلا لأمر أراده الله بأهل الأرض، ولا يخلو من أن يكون شراً أو رشداً، أي: خيراً، من عذاب أو رحمة، أو من خذلان أو توفيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ولكن الشياطين)، متعلق بقوله: "أنه كان قبل المبعث".
قوله: (وهذا ذكر ما حَملهم)، أي: هذا ذكر الداعي الذي حملهم. والذكر المشار إليه ما يُفهم من مجموع: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ﴾ إلى قوله: ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾. ولهذا أوقع "يقولون" بياناً لقوله: "وهذا ذكر ما حملهم". و"لما" مع جوابه، مقول "يقولون".
قوله: (ما هذا إلا لأمر أراده الله تعالى بأهل الأرض، ولا يخلو من أن يكون شراً أو رشداً)، الانتصاف: "ومن عقائدهم، أي: الجن، أن الهدى والضلال جميعاً من خلق الله، فتأدبوا


الصفحة التالية
Icon