فكأنه قيل: فهو لا يخاف، فكان دالاً على تحقيق أن المؤمن ناج لا محالة وأنه هو المختص بذلك دون غيره. وقرأ الأعمش: فلا يخف، على النهي. (بَخْسًا ولا رَهَقًا): أي جزاء بخس ولا رهق، لأنه لم يبخس أحدا حقاً، ولا رهق ظلم أحد فلا يخاف جزاءهما، وفيه دلالة على أن من حق من آمن بالله أن يجتنب المظالم. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «المؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأموالهم»، ويجوز أن يراد: فلا يخاف أن يبخس؛ بل يجزى الجزاء الأوفى، ولا أن ترهقه ذلة، من قوله عز وجل: (وتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) [يونس: ٢٧].
[(وإنا مِنَّا المُسْلِمُونَ ومِنَّا القَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (١٤) وأَمَّا القَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) ١٤ - ١٥]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (﴿وَلَا رَهَقًا﴾)، الراغب: "رَهِقَه الأمر، أي: غَشِيَه بِقَهر". الأساس: "رهقه: دنا منه، وأرهقناهم الخيل، وصبي مراهق: مدان للحلم". النهاية: "في حديث علي، رضي الله عنه، أنه وعظ رجلاً في صحبة رجل رهق، أي: فيه خِفَّة وحِدة. ويقال: رجل فيه رهق، إذا كان يَخِفُّ إلى الشر ويغشاه".
قوله: (لأنه لم يبخس أحداً حقّاً)، يريد أنه من باب نفي المسبب لانتفاء السبب، وقد وضع موضع ذلك السبب الإيمان بالله؛ ليؤذن بأن الإيمان هو السبب في الاجتناب عن البَخْس والظلم؛ ولذلك استشهد بقوله: "المؤمن من أمنه الناس". والحديث من رواية الترمذي والنسائي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله؟ :"المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمِنه الناس على دمائهم وأموالهم".
قوله: (ويجوز أن يراد: فلا يخاف أن يُبْخَس)، عطف على قوله: "أي: جزاء بخس ولا رَهَق".


الصفحة التالية
Icon