(القَاسِطُونَ) الكافرون الجائرون عن طريق الحق. وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه: أن الحجاج قال له حين أراد قتله: ما تقول فى؟ قال: قاسط عادل، فقال القوم: ما أحسن ما قال! حسبوا أنه يصفه بالقسط والعدل؛ فقال الحجاج: يا جهلة، إنه سماني ظالما مشركاً، وتلا لهم قوله تعالى: (وأَمَّا القَاسِطُونَ)، وقوله تعالى: (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام: ١]، وقد زعم من لا يرى للجن ثواباً، أن الله تعالى أوعد قاسطيهم وما وعد مسلميهم؛ وكفى به وعداً أن قال: (فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا)، فذكر سبب الثواب وموجبه، والله أعدل من أن يعاقب القاسط ولا يثيب الراشد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والفرق أن القصد في نفي الخوف على الوجه الأول، كان لأجل انتفاء سببه، وعلى الثاني لإثبات منافيه، وهي الأعمال الصالحة، ليترتب عليها الجزاء الأوفى. كما دل الأول على أن من حق المؤمن أن لا يُنقص حق أخيه المسلم ولا يظلمه، دل الثاني على أن من حقه أن يعمل الأعمال الصالحة، ويفهم منه أيضاً، أن من لم يُؤمن بربه الذي أنعم عليه وأحسن إليه بالنعم الظاهرة والباطنة، تُجعل أعماله التي حسبها أعمالاً، هباءً منثوراً.
قوله: (﴿الْقَاسِطُونَ﴾: الكافرون الجائرون)، الراغب: " القسط هو النصيب كالنصف والنَّصفة، قال الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ﴾ [الرحمن: ٩]. والقَسط بالفتح، هو أن يأخذ قسط غيره، ولذلك قيل: قَسَطَ الرجل: إذا جار، وأَقْسط: إذا عدل، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ [الجن: ١٥]، وقال تعالى: ﴿وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: ٩].
قوله: (فذكر سبب الثواب وموجبه)، وهو قوله: ﴿تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾، قال: أي: قَصدوا


الصفحة التالية
Icon