وعن ابن عباس أنه فسر الكوثر بالخير الكثير، فقال له سعيد بن جبير: إن ناسا يقولون: هو نهر في الجنة! فقال: هو من الخير الكثير. والنحر: نحر البدن؛ وعن عطية: هي صلاة الفجر بجمع، والنحر بمنى. وقيل: صلاة العيد والتضحية. وقيل: هي جنس الصلاة. والنحر: وضع اليمين على الشمال، والمعنى: أعطيت ما لا غاية لكثرته من خير الدارين الذي لم يعطه أحد غيرك، ومعطى ذلك كله أنا إله العالمين،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القِصاص، فأَمرَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بالقِصاص، فقالَ أنسُ بنُ النَّضر: يا رسولَ الله، أتُكسرُ ثَنيةُ الرُّبَيِّع؟ لا، فرضيَ القومُ فعَفَوا، فقالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: إنّ من عباِ الله مَن لو أقسمَ على اللهِ لأبَّره. معناه: لو سألَ اللهَ لأجابَه. والإقسامُ ها هنا بمعنى الاستعطاف.
قولُه: (ومُعْطي ذلك كلِّه أنا إلهُ العالمين)، إيذانٌ باختيارِ قولِ ابنِ عباس: إنّ الكوثرَ الخيرُ الكثير، وبإفادةِ ضميرِ الجمعِ الدالِّ على العظمةِ والكبرياء، فإن قائلَه ليسَ إلّا إلهَ العالمين، وأنّ المُعطي لم يكن عظيمًا، إلّا أنّ المُعطي عظيم. ولأجلِ تَيْنِك المناسبتين، رُتّبَ عليه قولُه: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ﴾، وَوُضعَ المظهرُ موضعَ المضمر، يعني: كما أنّ المعطي والمعطي عظيمان، فأتِ أنتَ بأعظمِ ما يمكنُ من العباداتِ البدنيةِ والمالية.
وإنما أُوثرَ النحرُ ليُدمجَ معنى معطي قطعِ النفسِ عن اللذاتِ العاجلة، ضُمّ مع ذلك ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ تكميلًا لِما بشَّره، قالَ الإمام: «لمّا بَشّره بالنِّعم العظيمة، وقد علمَ أن كمال ذلك إنما يكونُ بقهرِ الأعداء، قيل: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾».
نَقلَ السُّلميُّ عن جعفرِ الصادق: «إنّا أعطيناك نورًا في قلبك دَلَّكَ عَلَيّ، وقَطَعَك عمّا سواي. وعن القاسمِ: إنّ شانئَك المنقطعُ عن خيراتِ الدّارين»، واللهُ أعلم.


الصفحة التالية
Icon