..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قالَ الإمام: «في الآيةِ قولان: الأولُ: أنه لا تكرارَ فيها، وفيه وجوه:
أحدهُا أنّ الأولَ للاستقبال، لأن "لا" لا تدخلُ إلّا على مضارعٍ في معنى الاستقبال، أي: لا أفعلُ في المستقبلِ ما تطلبونه مني من عبادةِ آلهتِكم، ولا أنتم فاعلون في المستقبلِ ما أطلبُ منكم من عبادةِ إلهي، ثمّ قالَ: ﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ﴾، أي: لستُ في الحالِ بعابدٍ معبوديكم، ولا أنتم في الحالِ بعابدين معبودي.
وثانيها: أن يُقلب، فيجعلَ الأولُ للحالِ والثاني للاستقبال، وعليه كلامُ الزجاجِ والواحدي ومحيي السُّنة؛ قال الواحدي: «وإنما جئَ بـ"ما" بدلَ "من" ليقابلَ قولَه ﴿مَا تَعْبُدُونَ﴾ حملًا للثاني على الأول». وقال الزجاجُ ومحيي السُّنة: «هذا خطابٌ لمن سبقَ في علمِ الله أن لا يؤمن».
وثالثُها: قولُ أبي مسلم: المقصودُ من الأُولَيينِ المعبود، و"ما" بمعنى "الذي"، أي: لا أعبدُ الأصنامَ ولا تعبدونَ الله، وفي الأُخريَيْنِ "ما" مصدرية، أي: ولا أنا عابدٌ مثلَ عبادتكم المبنيّةِ على الشك، ولا أنتم عابدون مثلَ عبادتي المبنيّةِ على اليقين.
ورابعُها: أن تُحملَ الأولى على نفي الاعتبارِ الذي ذكروه، والثانيةُ على العامِ بجميعِ الجهات، أي: لا أعبدُ ما تعبدون رجاءَ أن تعبدوا الله، ولا أنتم عابدون رجاءَ أن أعبدَ صنمَكم، ثم قال: ولا أنا عابدٌ صنمَكم لغرضٍ من الأغراض، بوجهٍ من الوجوه، وكذا أنتم لا تعبدون اللهَ لغرضٍ من الأغراض؛ مثالُه: مَن يدعو غيرَه إلى الظلمِ لغرضِ التنعّم، فيقول: لا أظلمُ لغرضِ التنعّم، بل لا أظلمُ أصلًا، سواءٌ كان للتنعّمِ أو غيرِه.