قلت: النصب إما على الحال، على أن رأيت بمعنى أبصرت أو عرفت. أو هو مفعول ثان على أنه بمعنى علمت. (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) فقل: سبحان الله؛ حامدًا له. أي: فتعجب لتيسير الله ما لم يخطر ببالك وبال أحد من أن يغلب أحد على أهل الحرم، واحمده على صنعه. أو: فاذكره مسبحًا حامدًا، زيادة في عبادته والثناء عليه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (فقل: سبحانَ الله: حامدًا له، أي: فتعجبْ)، والباءُ في ﴿بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ للحال، أي: قُلِ التسبيحَ وأنتَ ملتبسٌ بالحمد؛ فإذنْ لا يكونُ القصدُ بذكرِ التسبيح الذكر. قال: «والأصلُ في ذلك أن يسبحَ الله في رُؤيةِ العجيبِ من صنائعِه، ثم كثرَ حتى استُعملِ في كلِّ متعجَّبٍ منه». "الانتصاف": «الأمرُ على هذا بمعنى الخبر، لأن الأمرَ في صيغةِ التعجّبِ ليسَ مرادًا، والمرادُ أن هه القصةَ من شأنِها أن يُتعجَّبَ منها».
قولُه: (أو: فاذكرْه مسبِّحًا حامدًا)، فعلى هذا، يكونُ القصدُ بذكرِ التسبيح، الذكرَ على سبيلِ التضمين، ولذلك أوقعَه حالًا، و ﴿بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ حالٌ على التداخلِ، لأن التضمينَ يجعلُ المضمّنَ حالًا في الأكثر. قالَ القاضي: «المعنى: فأثنِ على الله بصفاتِ الجلالِ، حامدًا له على صفاتِ الإكرام».
وقلتُ: هذا الوجهُ أولى من الأولِ وأحسنُ التئامًا، وقد مَرّ في سورةِ الفتح أنه تعالى، إنما جعلَ فتحَ مكةَ عِلةً للمغفرة، لأنه كان سببًا لأن يؤمرَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بالاشتغالِ بخاصّةِ نفسِه، بعدَ بَذْلِ المجهودِ فيما كُلِّفَ به من تبليغِ الرسالةِ ومجاهدةِ أعداءِ الدين، وبالإقبالِ على العبادةِ والتقوى، والتأهُّبِ للمسيرِ إلى المقاماتِ العليةِ واللُّحوقِ بالرفيقِ الأعلى، وإليه يُلمّحُ