..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقولِه: «إنّ عبدًا خَيَّرَه اللهُ بين الدنيا وبين لقائِه، فاختارَ لقاءَ الله». ومن ثَمّ بكى عَمُّه العباسُ حين تُليتْ عليه السورة، وقَالَ: نُعيتْ إليك نفسُك.
وهذا المعنى هو الذي فَهمَ منه ابنُ عمِّه حَبْرُ الأمة، حين ردّ على أولئك الشيوخ، وقال: نُعيتْ إليه نفسُه، وصَدَّقَه عمرُ رضي الله عنه. وأما ما روى محيي السُّنة عن محمدِ بنِ جريرٍ أن قولَه: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح: ٢]، راجعٌ إلى قولِه: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ إلى قولِه ﴿وَاسْتَغْفِرْهُ﴾ أي: واستغفره ليغفرَ لك اللهُ؛ فالمرادُ منه أن هذا التعليل متعلقٌ بمضمرٍ بعد قولِه: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾، ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ﴾، ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ﴾، لأن مرجعَ السُّورتين إلى قصةٍ واحدةٍ وحالةٍ متحدة، لا أنّ ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾ متعلقٌ بقوله: ﴿وَاسْتَغْفِرْهُ﴾ بعينه، لِما يؤدي إلى إخلالِ النظمِ المعجزِ الفائتِ للقُوى والقَدَر، فكيف ونزولُ ﴿إِنَّا فَتَحْنَا﴾، كان قبلَ فتحِ مكةَ بعدَ مرجعِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- من الحُدَيْبية، وتأخُّرُ نزولِ سورةِ النصرِ عن الفتحِ بسنتين؟ وقد أسلفنا في سورةِ هودٍ قانونًا يضمّ أطرافِ قصةٍ واحدة، في مقاماتٍ شتّى، على أنحاءٍ مختلفة.
فإن قلتَ: قد ذَلَّ اتحادُ القصةِ على هذا المُقدّر، فما تَصنعُ بما روى محيي السُّنةِ أيضًا عن الحسينِ بنِ الفضل، أن قولَه: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾ مردودٌ إلى قولِه: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ


الصفحة التالية
Icon