والمعنى: هو الله الذي تعرفونه وتقرّون بأنه خالق السماوات والأرض وخالقكم، وهو واحد متوحد بالإلهية لا يشارك فيها، وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق ولا يستغنون عنه، وهو الغنى عنهم. (لَمْ يَلِدْ) لأنه لا يجانس، حتى يكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا. وقد دل على هذا المعنى بقوله: (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ)] الأنعام: ١٠١ [. (وَلَمْ يُولَدْ) لأنّ كل مولود محدث وجسم، وهو قديم لا أوّل لوجوده وليس يجسم ولم يكافئه أحد، أي: لم يماثله ولم يشاكله. ويجوز أن يكون من الكفاءة في النكاح، نفيًا للصاحبة: سألوه أن يصفه لهم، فأوحى إليه ما يحتوى على صفاته، فقوله: (هُوَ اللَّهُ) إشارة لهم إلى من هو خالق الأشياء وفاطرها،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الراغب: «الذي ليسَ بأجوفٍ، شيئان: أدونُ من الإنسانِ كالجمادات، وأعلى وهو الباري تعالى وتَقدّس. والقصدُ بقوله ﴿الصَّمَدُ﴾، تنبيهٌ أنه بخلافِ مَن أثبتوا له الإلهية، وإلى نحوِ هذا أشار بقولِه: ﴿وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَاكُلَانِ الطَّعَامَ﴾ [المائدة: ٧٥]».
قولُه: (وقَدْ دَلَّ على هذا المعنى بقوله: ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ﴾ [الأنعام: ١٠١]، عطفٌ على قوله: (لأنه لا يُجانَس)، يعني: ﴿لَمْ يَلِدْ﴾: إما كنايةٌ عن كونه تعالى متعاليًا عن الجنسية؛ لأن مَن جانسَ شيئًا اتّخذ من جنسِه صاحبةً، ومَن اتخذَ صاحبةٍ حصَل التوالدُ. أو بالعكس بأن يقال: كيف يكونُ له ولدٌ، وأنه ما اتخذ صاحبةً؟ لأن الولادةَ لا تكونُ إلّا بين زوجين من جنسٍ واحد، وهو متعالٍ عن مجانسٍ؛ فلم يَصحَّ أن تكونَ له صاحبة، فلم تَصحَّ الولادة، قالَه في تفسيرِ هذه الآيةِ في الأنعام.
قولُه: (فقولُه: ﴿هُوَ اللَّهُ﴾)، الفاءُ تفصيليةٌ، والُمجمَلُ قولُه: "ما يحتوي على صفاته". ولمّا كان الله اسمًا للذات، وقرّرَ في فاتحةِ الكتابِ استحالةَ كونِه وصفًا، لكنْ له في كلِّ مقامٍ بحسبِ