قلت: هذا الكلام إنما سيق لنفى المكافأة عن ذات الباري سبحانه؛ وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف، فكان لذلك أهم شيٍء وأعناه، وأحقه بالتقدم وأجراه. وقرئ: (كفؤا) بضم الكاف والفاء، وبضم الكاف وكسرها مع سكون الفاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال صاحبُ "الانتصاف": «نقلَ سيبويه أن سمعَ بعضَ الجُفاةِ من العربِ يقرأ: ولم يكنْ أحدٌ كفوًا له، فجرى هذا الجلفُ على عادته، فجفا طبعُه عن لُطفِ المعنى، الذي لأجله اقتضى تقديمَ الظرفِ والخبرِ على الاسم، وذلك أن الغرضَ الذي سيقت إليه الآيةُ، نفيُ المكافأة والمساواةِ عن ذاتِ الله تعالى، فكان تقديم المكافأةِ المقصودةِ بأن تُسلبَ عنه أنه أولى، ثم لما قُدِّمتْ لتسلبَ ذُكرَ معها الظرف، لتُبيَّنَ الذاتُ المقدسةُ بسلبِ المكافأة». وقلتُ: تلخيصُه أن مراعاةَ المعنى الذي يقتضيه المقامُ، أحرى وأحقُّ وأقدمُ من مراعاةِ اللفظِ والفواصلِ.
قولُه: (وقرئ: ﴿كُفُوًا﴾، بضم الكاف)، حَفْص: بضِّمها وضِّم الفاء من غيرِ همز، وحمزة: بإسكانِ الفاءِ مع الهمزةِ في الوصل، فإذا وقفَ أبدلَ واوًا مفتوحة، والباقون: بضمِّ الفاءِ مع الهمزة.
الراغب: «الكُفْءُ: في المنزلةِ والقَدْر، ومنه الكِفاءُ لشُقّةٍ تُنْصحُ بالأخرى، فيُجَلّلُ بها مؤخرُ الخباء. قال: فلانٌ كفءُ فلانٍ في المناكحةِ والمحاربةِ ونحوِ ذلك. ومنه المكافأةُ أي: المساواةُ والمقابلةُ في الفعل، والإكفاءُ: قلبُ الشئِ كأنه إزالةُ المساواة، ومنه الإكفاءُ في الشعر».


الصفحة التالية
Icon