وعن عائشة رضي الله عنها: أخذ رسول الله ﷺ بيدي فأشار إلى القمر فقال: تعوّذي بالله من شر هذا، فإنه الغاسق إذا وقب، ووقوبه: دخوله في الكسوف واسوداده. ويجوز أن يراد بالغاسق: الأسود من الحيات، ووقبه: ضربه ونقبه. والوقب: النقب، ومنه: وقبة الثريد؛ والتعوّذ من شر الليل؛ لأن انبثاثه فيه أكثر، والتحرّز منه أصعب، ومنه قولهم: الليل أخفى للويل، وقولهم: أغدر الليل؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«وفي الحديث: لّما رأى الشمسَ قد وَقَبتْ، قال: هذا حينُ حلِّها؛ وَقَبتْ: غابت. وحينُ حِلِّها: الوقتُ الذي يَحلُّ فيه أداؤها، يعني: صلاة المغرب. والاوُقوبُ: الدخولُ في كلِّ شئ».
قولُه: (وعن عائشة-رضي الله عنها-)، الحديثُ اخرجَه الإمامُ أحمدُ والترمذيّ، وليسَ فيه: آخذٌ بيدي؛ روى الإمامُ عن ابنِ قتيبة: «إنما سُمي القمرُ غاسقًا، لأنه يُكْسفُ فيغسِق، أي يذهبُ ضوؤُه، ويَسْود، ووقوبُه: دخولُه في ذلك الاسوداد». وقال: «وقد صَحَّ أن القمرَ في جِرْمه غيرُ مستنير فسمّى بالغاسِق لهذا. ووقوبُه المحاقُ في آخر الشهر، لأنه حينئذٍ قليلُ القوةِ وفي غايةِ الرذالة، ولذلك يشتغلُ السحرةُ فيه بالسحر الذي يورثُ التمريض، وهذا مناسبٌ لسبب نزولِ السورتين «، والله أعلم.
قولُه: (الليلُ أخفى للوَيْل)، قالَ الميداني: «أي: افعلْ ما تريدُ ليلًا، فإنه أسْترُ لسِرِّك. وأولُ مَن قال ذلك ساريةُ بنُ عُويْمرِ بنِ عَدِيٍّ العُقَيلي»، وسببُه مذكورٌ في كتابه.
قولُه: (أَغدرَ الليل)، قيل: هو من بابِ أَحصدَ الزّرع، أي حانَ وقتُ غَدْره. وقيل: صارَ ذا غَدْر.