فبأي الحركات تحرك فقد وقع الغرض. (نِّصْفَهُ): بدل من (اللَّيْلَ)، و (إلاَّ قَلِيلاً): استثناء من النصف، كأنه قال: قم أقل من نصف الليل. والضمير في «منه» و «عليه» للنصف، والمعنى التخيير بين أمرين؛ بين أن يقوم أقل من نصف الليل على البت، وبين أن يختار أحد الأمرين وهما النقصان من النصف والزيادة عليه. وإن شئت جعلت «نصفه» بدلاً من «قليلاً»، وكان تخييراً بين ثلاث: بين قيام النصف بتمامه، وبين قيام الناقص منه وبين قيام الزائد عليه؛ وإنما وصف النصف بالقلة بالنسبة إلى الكل، وإن شئت قلت: لما كان معنى (قُمِ اللَّيْلَ إلاَّ قَلِيلاً • نِّصْفَهُ)، إذا أبدلت النصف من الليل: قم أقل من نصف الليل، رجع الضمير في «منه» و «عليه» إلى الأقل من النصف، فكأنه قيل: قم أقل من نصف الليل، أو: قم أنقص من ذلك الأقل أو أزيد منه قليلا، فيكون التخيير فيما وراء النصف بينه وبين الثلث.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (﴿نِّصْفَهُ﴾ بدل من ﴿الَّيْلَ﴾)، اعلم أنه جعل ﴿نِّصْفَهُ﴾ تارة بدلاً من ﴿الَّيْلَ﴾، وأخرى من ﴿قَلِيلًا﴾، وجعل كل واحد من التقديرين على وجهين.
واعترض صاحب "الفرائد" على كل الوجوه، قال على الوجه الأول: "لما كان الضمير في ﴿مِنْهُ﴾ و ﴿عَلَيْهِ﴾ راجعاً إلى النصف، كان المعنى: قُم أقل من نصف الليل، أو انقص من نصف الليل، أو زد على نصف الليل، كأنه قال: قُم أقلّ من نصف الليل، أو قُم زد على نصف الليل، وهذا ظاهر الفساد. وقوله: "على البَتِّ" لا دلالة في الآية عليه.
وقال في الوجه الثاني، وهو قوله: "وإن شئت جعلت ﴿نِّصْفَهُ﴾ بدلاً من ﴿قَلِيلًا﴾ " إلى آخره: هذه هو الوجه. وتمامه أن يقال: ذكر ﴿قَلِيلًا﴾ ثم أبدل ﴿نِّصْفَهُ﴾ منه، إشارة إلى أن ما نام فيه من الليل، وإن كان نصفاً منه، فهو بالإضافة إلى النصف القائم قليل، لأن النصف القائم يُضاعف إلى العشرة، كقوله تعالى: ﴿مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام: ١٦٠].