أَذَاكَ أَمْ خَاضِبٌ بالسَّىِّ مَرْتَعُهُ؟
فإن قلت: قد شبه المنافق في التمثيل الأوّل بالمستوقد نارا، وإظهاره الإيمان بالإضاءة، وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استحكم أسنانه. والأكرع: جمع الكراع، وهو الوظيف وهو ما بين الركبة إلى الرسغ. يقول: أذاك الحمار الوحشي الذي مر ذكره يشبه ناقتي، أم ثور ملمع مسفع الخد.
قوله: (أذاك أم خاضب بالسي مرتعه) تمامه:
أبو ثلاثين أمسى وهو منقلب
الخاضب: الظليم. والظليم إذا أكل الربيع احمرت ساقاه، وأطراف ريشه. و"السي": ما استوى من الأرض. و"أبو ثلاثين" أي: ثلاثين فرخًا، فهو منقلب، أي: منصرف إلى وكره. كرر التشبيه، وشبه ناقته تارة بالحمار، وأخرى بالثور، ثم بالنعام في السرعة والخفة.
قوله: (وإظهاره الإيمان بالإضاءة) قيل: فيه نظر، والأولى أن يقال: إظهاره الإيمان بالاستيقاد، وانتفاعه بالإضاءة؛ لأن المنافق إذا شبه بالمستوقد، ففعله وهو إظهار الإيمان يكون كالاستيقاد لا محالة، وما يحصل له من إظهار الإيمان يكون كالإضاءة الحاصلة من الاستيقاد. هذا هو التحقيق.
وقلت: تحقيق هذا المقام أن التشبيه واقع في صفة المنافقين وصفة المستوقدين كقوله تعالى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا) [البقرة: ١٧] وصفة المنافقين إظهار الإيمان بالكلمة المجراة على ألسنتهم، وصفة المستوقدين مزاولة الوقود ومحاولة الاستيقاد، وكما أن هذه المزاولة عقيب هذه الإضاءة على ما قال تعالى: (فَلَمَّا أَضَاءَتْ)، كذلك ذلك الإظهار أورث أن تجري عليهم أحكام المسلمين من المتاركة والاصطناع والإحسان إليهم، فإنها منافع بمنزلة


الصفحة التالية
Icon