كقوله تعالى: (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) [فاطر: ١٢]، (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ) [الزمر: ٢٩]. والصحيح الذي عليه علماء البيان لا يتخطونه:
أنّ التمثيلين جميعاً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشبه مبهم، والمشبه به قوله: (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا) [البقرة: ١٧] إلى آخره، وهو مشتمل على أشياء معدودةٍ مستدعيةٍ لما يقابلها من المشبه في الطرف الآخر ليتم أمر التشبيه، وكذلك كان في حكم المذكور كما استدعى الإخبار في قوله تعالى: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) [البقرة: ١٨] المبتدأ، ولذلك لم يكن استعارة بخلافه في قوله: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ) [فاطر: ١٢] وقوله: (رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ) [الزمر: ٢٩] فإن المراد بالأول الكافر والمؤمن، وبالثاني الكافر وإشراكه الأصنام بالله، والمؤمن وتفرده بإله واحد. فشبه الكافر مع آلهته بعيدٍ قد اشترك فيه شركاء بينهم اختلاف، كل واحدٍ منهم يدعي عبوديته، ويريد أن يتفرد له بالخدمة، فذاك بأمره، وهذا بنهاه، متحير لا يدري رضاء أيهم يتحري، وشبه المؤمن مع توحيده بعبدٍ قد سلم لمالكٍ واحدٍ، فهو معتنق لما لزمه من الخدمة، معتمد على مولاه فيما يصلحه ويهمه، فهو مجتمع القلب. ولا يستدعي الإتيان سوى القرينة الصارفة عن إرادة الحقيقة، والصارف فيهما سياق الكلام فكانتا استعارتين.
قوله: (والصحيح) جواب آخر عن قوله: "فأين ذكر المشبهات" أو يقال: إنه جواب آخر عن السؤال الأول، فإنه سأل أولاً بقوله: "قد شبه المنافق في التمثيل الأول" إلى آخره. وقدر في الجواب المشبهات كلها، ثم سأل: فأين هذه المقدرات؟ وأجاب عنه: أنه مطوي مراد، ثم أتى بالوجه الصحيح بل الظاهر هذا؛ لأن المشبه في هذا الوجه أيضًا مطوي منوي لكن بوجهٍ آخر، فإذا هو عطف على قوله: "ولقائل أن يقول" ودل قوله في الجواب: "ولقائل أن يقول" على ضعف القول الأول.