من جملة التمثيلات المركبة دون المفرّقة، لا يتكلف الواحد واحد شيء يقدر شبهه به، وهو القول الفحل والمذهب الجزل، بيانه: أنّ العرب تأخذ أشياء فرادى، معزولاً بعضها من بعض، لم يأخذ هذا بحجزة ذاك فتشبهها بنظائرها، كما فعل امرؤ القيس وجاء في القرآن، وتشبه كيفية حاصلة من مجموع أشياء قد تضامّت وتلاصقت حتى عادت شيئا واحدا، بأخرى مثلها كقوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ) الآية [الجمعة: ٥]. الغرض تشبيه حال اليهود في جهلها بما معها من التوراة وآياتها الباهرة، بحال الحمار في جهله بما يحمل من أسفار الحكمة، وتساوى الحالتين عنده من حمل أسفار الحكمة وحمل ما سواها من الأوقار، لا يشعر من ذلك إلا بما يمرّ بدفيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لا يتكلف) استئناف على سبيل البيان، أو حال، المعنى: أن التمثيلين من جملة التمثيلات المركبة فلا تحتاج إلى أن يقدر في طرف المشبه ما يقابل واحدًا واحدًا معزولاً بعضها عن بعض.
قوله: (بيانه) أي: بيان وقوع التمثيلين في كلامهم، لا بيان القول الفحل، وأما جزالة هذا الوجه فإنك تتصور في المركب الهيئة الحاصلة من تقارن تلك الصور وكيفياتها المتضامة، فيحصل في النفس منه ما لا يحصل من المفردات، كما إذا تصورت من مجموع الآية مكابدة من أدركه الوبل الهطل مع تكاثف ظلمة الليل وهيئة انتساج السحاب بتتابع القطر، وصوت الرعد الهائل، والبرق الخاطف، والصاعقة المحرقة، ولهم من خوف هذه الشدائد حركات من يحذر الموت، حصل لك منه أمر عجيب وخطب هائل بخلاف ما إذا تكلفت لواحدٍ واحدٍ مشبهًا به.
قوله: (كقول تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ) الآية [الجمعة: ٥]. فإن قلت: كيف استشهد بها هنا للتمثيل المركب، وقد استشهد بها للمفرد في قوله: "لم يشبهوا بذات المستوقد وإنما شبهت قصتهم بقصتهم"؟ قلت: ليريك أن الآية أيضًا يسوغ فيها الأمران، وأن القول القوي الذي عليه علماء البيان هو الأخير.