لم يشبه الناس بالديار، وإنما شبه وجودهم في الدنيا وسرعة زوالهم وفنائهم، بحلول أهل الديار فيها ووشك نهوضهم عنها، وتركها خلاء خاوية.
فإن قلت: أي التمثيلين أبلغ؟ قلت: الثاني، لأنه أدل على فرط الحيرة وشدّة الأمر وفظاعته، ولذلك أُخر، وهم يتدرجون في نحو هذا من الأهون إلى الأغلظ. فإن قلت: لم عطف أحد التمثيلين على الآخر بحرف الشك؟ قلت: أو في أصلها لتساوى شيئين فصاعدا في الشك، ثم اتسع فيها فاستعيرت للتساوى في غير الشك؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه | يحور رمادًا بعد إذ هو ساطع |
وما المال والأهلون إلا وديعة | ولابد يومًا أن ترد الودائع |
قوله: ("أو" في أصلها لتساوي شيئين [فصاعدًا] في الشك) إلى قوله: "فاستعيرت للتساوي". وتبعه صاحب "التخمير" بلا تغييرٍ في العبارة.
قال صاحب "الفرائد": الوجه أن يقال: "أو" لتعليق الحكم بأحد المذكورين فصاعدًا، والتفاوت في المؤدى إنما يقع بحسب التركيب الذي وقعت فيه، فإن وقعت في الخبر، فالحاصل تعلق الحكم بأحدهما، وهو غير معين، فأمكن أن يقع الشك فيه، وإن وقعت في الطلب ولم يمكن وقوع الشك فيه، أفاد التخيير والإباحة، والحاصل أيضًا تعلق الحكم بأحدهما وذلك غير مانعٍ لتعلق الحكم بكل واحدٍ منهما، فعلى هذا لم تلزم الاستعارة وهي في المواضع كلها على معناها.
قلت: حاصل تقريره: أن "أو" حقيقة في القدر المشترك بين الشك والتخيير والإباحة وهو تعليق الحكم بأحد الأمرين.