وذلك قولك: جالس الحسن أو ابن سيرين، تريد أنهما سيان في استصواب أن يجالسا، ومنه قوله تعالى: (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [الإنسان: ٢٤]، أى الآثم والكفور متساويان في وجوب عصيانهما، فكذلك قوله: (أَوْ كَصَيِّبٍ) معناه أن كيفية قصة المنافقين مشبهة لكيفيتى هاتين القصتين، وأن القصتين سواء في استقلال كل واحدة منهما بوجه التمثيل، فبأيتهما مثلتها فأنت مصيب، وإن مثلتها بهما جميعا فكذلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال الحديثي: دلالة الثلاثة، أعني: "أو" و"أما" و"أم"على أحد الشيئين لا غير، وأما الشك والتخيير والإباحة وغيرها، فإنها من صفات الكلام الذي هي فيه، وإضافتها إليها مجازًا.
وقال ابن الحاجب في "شرح المفصل": إنما قال -أي المصنف-: "ويقال في "أو" و"أما" إنهما للشك" بلفظة "يقال" تنبيهًا على أن ذلك ليس بلازم إذ قد يكون المتكلم غير شاك، بل يكون مبهمًا، أما في الأمر، فيقال للتخيير، والإباحة على وضعها لإثبات الحكم لأحد الأمرين، إلا أنه إن حصلت قرينة يفهم معها أن الأمر غير حاجرٍ عن الآخر، مثل قولك: جالس الحسن أو ابن سيرين سمي الإباحة، وإلا سمي تخييرًا، وهو لأحد الأمرين في الموضعين. وإنما علم نفي حجر الأمر عن الآخر في الإباحة من أمرٍ خارجًٍ كما في النهي نحو قوله تعالى: (وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا) [الإنسان: ٢٤] جاء التعميم من جهة النهي الداخل على معنى النفي؛ لأن المعنى قبل وجود النهي على بابه، ومصير المعنى: ولا تطع واحدًا منهما، فلا يحصل الانتهاء عن أحدهما حتى ينتهي عنهما مطلقًا. روي أن المصنف كتب في بعض الحواشي: تقول: كل خبزًا أو لحمًا، كأنك قلت: كل أحدهما، فإذا نفيت هذا، وقلت: لا تأكل خبزًا أو لحمًا، فكأنك قلت: لا تأكل شيئًا منهما.
وقلت: وجه التوفيق بين كلامي المصنف في "الكشاف" و"المفصل" هو أن "أو" في أصل اللغة موضوعة لتساوي شيئين في الشك، ثم فيه طريقان:


الصفحة التالية
Icon