إذا حدتها الريح فتصوّت عند ذلك من الارتعاد.
والبرق الذي يلمع من السحاب، من برق الشيء بريقا إذا لمع. فان قلت: قد جعل الصيب مكانا للظلمات فلا يخلو من أن يراد به السحاب أو المطر، فأيهما أريد فما ظلماته؟ قلت: أما ظلمات السحاب فإذا كان أسحم مطبقا فظلمتا سجمته وتطبيقه مضمومة إليهما ظلمة الليل. وأما ظلمات المطر فظلمة تكاثفه وانتساجه بتتابع القطر، وظلمة إظلال غمامه مع ظلمة الليل. فان قلت: كيف يكون المطر مكانا للبرق والرعد وإنما مكانهما السحاب؟ قلت إذا كانا في أعلاه ومصبه وملتبسين في الجملة فهما فيه. ألا تراك تقول: فلان في البلد، وما هو منه الا في حيز يشغله جرمه. فان قلت: هلا جمع الرعد والبرق أخذا بالأبلغ كقول البحتري:

يَا عَارِضاً مُتَلِّفعاً ببُرُودِهِ يَخْتالُ بَيْنَ بُرُوقِهِ ورُعُودِهِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (من الارتعاد) لم يرد أن أصله منه؛ لأن أصله من الرعدة، بل أراد أن فيه معنى الاضطراب والحركة.
قوله: (مضمومة إليهما ظلمة الليل) قيل: ظلمة الليل من أين تستفاد من الآية وليس فيها ما يدل عليه؟ والعجب أنه كررها، فيقال: تستفاد من الجمع، ومقام المبالغة، فإن أقل الجمع ثلاثة، فلذلك اعتبر الأعداد على التقديرين.
قوله: (في أعلاه ومصبه) هو من إطلاق أحد المتجاورين على الآخر، والمقصود في الاستشهاد بالبلد المجاورة، لا أنه من إطلاق الكل على البعض. قال السجاوندي: "فيه ظلمات" أي: في وقته.
قوله: (يا عارضًا) البيت. العارض: السحاب. يقال: تلفعت، أي: تلحَّفْتُ كما تلحَّفَتِ المرأة بمرطها، والاختيال: التبختر.


الصفحة التالية
Icon