و (أضاء) إما متعد بمعنى: كلما نوّر لهم ممشى ومسلكا أخذوه والمفعول محذوف. وإما غير متعد بمعنى: كلما لمع لهم مَشَوْا في مطرح نوره وملقى ضوئه. ويعضده قراءة ابن أبى عبلة: كلما ضاء لهم والمشي: جنس الحركة المخصوصة. فإذا اشتد فهو سعى. فإذا ازداد فهو عدو. فإن قلت: كيف قيل مع الإضاءة: (كلما)، ومع الإظلام: (إذا)؟ قلت لأنهم حراص على وجود ما همهم به معقود من إمكان المشي وتأتيه، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها، وليس كذلك التوقف والتحبس. و (أظلم): يحتمل أن يكون غير متعد وهو الظاهر، وأن يكون متعدياً منقولاً من ظلم الليل،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن قلت: هذا يوهم أن التشبيه الثاني مفرق، مع أن المنصف رجع عنه بقوله: "والصحيح الذي عليه علماء البيان". قلت: هذا لا يأبى التمثيل؛ لأن شرطه أن يكون منتزعًا؛ من عدة أمور، وكل ما ذكر في طرف المشبه به أمر يتوهم ويعتبر مثله في طرف المشبه، إذ لو اختل أمر منه اختل التمثيل كما صرح به صاحب "المفتاح" بقوله: والذي نحن بصدده من الوصف غير الحقيقي أحوج منظورٍ فيه إلى التأمل، لا سيما المعاني التي ينتزع منها، فربما ينتزع من ثلاثةٍ فأورث الخطأ لوجوب انتزاعه من أكثر.
قوله: (فإذا ازداد فهو عدو (فإن قيل: فالمقام يقتضي عدوًا لا مشيًا لانتهازهم الفرصة، قلنا: بل يقتضي المشي لما سبق من قوله: (حَذَرَ الْمَوْتِ) [البقرة: ١٩] و (يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ) [البقرة: ٢٠]، فإنهم لغاية تحيرهم ودهشتهم لا يمكن لهم المشي أيضًا عند الفرصة فكيف بالعدو، وإليه الإشارة بقوله: "من إمكان المشي".
قوله: (انتهزوها)، الجوهري: انتهزت الفرصة إذا اغتنمتها.