وهو وإن كان محدثا لا يستشهد بشعره في اللغة، فهو من علماء العربية، فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه. ألا ترى إلى قول العلماء: الدليل عليه بيت الحماسة، فيقتنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه. ومعنى قامُوا وقفوا وثبتوا في مكانهم. ومنه: قامت السوق، إذا ركدت وقام الماء: جمد. ومفعول شاءَ محذوف، لأن الجواب يدل عليه. والمعنى: ولو شاء اللَّه أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها، ولقد تكاثر هذا الحذف في «شاء» و «أراد» لا يكادون يبرزون المفعول إلا في الشيء المستغرب كنحو قوله:
فلَوْ شِئْتُ أَنْ أَبْكِى دَماً لَبَكَيْتُهُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وإن كان محدثًا) الشعراء طبقات: الجاهليون مثل امرئ القيس، وزهير بن أبي سلمى، وطرفة، والذين أدركوا الجاهلية ثم أسلموا مثل لبيد، وحسان، والمتقدمون من الإسلاميين كفرزدق وجرير، والمحدثون كأبي تمام والبحتري.
قوله: (فاجعل ما يقوله) أي: إنه موثوق به في الرواية، فلو لم يسمع من العرب لم يقل. قال ابن الأنباري: هو حبيب بن أوس بن الحارث بن قيسٍ الطائي شامي الأصل، قدم بغداد وجالس فيها الأدباء، وعاشر العلماء، وقد روى عنه أحمد بن أبي طاهرٍ وغيره أخبارًا مسندةً، ورثاه الحسن بن وهب:

فجع القريض بخاتم الشعراء وغدير روضتها حبيب الطائي
ماتا معًا فتجاورا في حفرةٍ وكذاك كانا قبل في الأحياء
قوله: (فلو شئت أن أبكي دمًا لبكيته) تمامه:
عليه ولكن ساحة الصبر أوسع


الصفحة التالية
Icon