كما أن اللَّه أخص الخاص يجرى على الجسم والعرض والقديم. تقول: شيء لا كالأشياء أى معلوم لا كسائر المعلومات، وعلى المعدوم والمحال فان قلت: كيف قيل عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وفي الأشياء ما لا تعلق به للقادر كالمستحيل وفعل قادر آخر؟ قلت: مشروط في حد القادر أن لا يكون الفعل مستحيلا فالمستحيل مستثنى في نفسه عند ذكر القادر على الأشياء كلها، فكأنه قيل: على كل شيء مستقيم قدير. ونظيره: فلان أمير على الناس أى على من وراءه منهم، ولم يدخل فيهم نفسه وإن كان من جملة الناس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كما أن الله أخص الخاص) يريد به قوله: "وأما الله فمختص بالمعبود بالحق ولا يطلق على غيره".
قوله: (وعلى المعدوم والمحال)، الانتصاف: الشيء عندنا مختص بالموجود فلا يدخل فيه المستحيل، وعند المعتزلة يدخل فيه المعدوم، وأما المستحيل فلا يدخل فيه فلا يرد السؤال. فإن قيل: إذا كان المعدوم لا يسمى شيئًا، وإذا وجد صار شيئًا لا تتعلق القدرة به، إذ القدرة إنما تتعلق بالشيء أول وجوده، فكيف يكون قادرًا على شيء؟ فجوابه: أنه من باب: "من قتل قتيلاً" أي: تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه، كأنه قال: قادر على كل ما يصير شيئًا.
الإنصاف: وفيه نظر، فإن القدرة تتعلق به في أول زمن وجوده، وهو في أول زمن وجوده شيء بلا خلافٍ بين المسلمين، إذ لو لم يكن شيئًا في أول وجوده لم يكن شيئًا في ثاني الأحوال.
قال القاضي: الشيء يختص بالوجود؛ لأنه في الأصل مصدر شاء، أطلق بمعنى شاءٍ تارة، أي: مريدٍ، والمريد يكون موجودًا، وحينئذٍ يتناول البارئ تعالى كما قال: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ) [الأنعام: ١٩] وبمعنى مشئٍ أخرى، أي: مشئٍ وجوده، وما شاء الله وجوده


الصفحة التالية
Icon