[(يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)].
لما عدّد اللَّه تعالى فرق المكلفين من المؤمنين والكفار والمنافقين، وذكر صفاتهم وأحوالهم ومصارف أمورهم، وما اختصت به كل فرقة مما يسعدها ويشقيها، ويحظيها عند اللَّه ويرديها، أقبل عليهم بالخطاب، وهو من الالتفات المذكور عند قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: ٥]،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يوقع الفعل على مقدار قوته، أو على مقدار ما تقتضيه مشيئته، وفيه دليل على أن الحادث حال حدوثه، والممكن حال إمكانه مقدوران، وأن مقدور العبد مقدور الله، لأنه شيء.
فقول المصنف: "اشتقاق القدير من التقدير" يؤول بقولنا: اشتقاقه من القدر بمعنى التقدير، إذ لا يستقيم أن يشتق الثلاثي من المزيد.
الراغب: القدرة إذا وصف بها الإنسان، فاسم لهيئةٍ له يتمكن بها من فعل شيءٍ ما، وإذا وصف الله تعالى بها فنفي للعجز عنه، ومحال أن يوصف غير الله بالقدرة المطلقة معنى، وإن أطلق عليه [لفظًا]، بل حقه أن يقال: قادر على كذا، ومتى قيل: هو قادر، فعلى سبيل معنى التقييد، ولهذا لا أحد غير الله يوصف بالقدرة من كل وجه، والقدير هو الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضيه الحكمة لا زائدًا عليه ولا ناقصًا عنه، ولهذا لا يوصف به إلا الله، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة: ٢٠] والمقتدر يقاربه نحو: (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر: ٥٥] لكن قد يوصف به البشر، فإذا استعمل في الله فمعناه معنى القدير، وفي البشر بمعنى المتكلف والمكتسب للقدرة.