فلَوَ انِّى فَعَلْتُ كُنْتُ مَنْ تَسْ | أَلُهُ وهُوَ قائمٌ أنْ يَقُوما |
وأما عبادة الكفار فمشروط فيها ما لا بد لها منه وهو الإقرار. كما يشترط على المأمور بالصلاة شرائطها من الوضوء والنية وغيرهما وما لا بد للفعل منه، فهو مندرج تحت الأمر به وإن لم يذكر، حيث لم ينفعل إلا به، وكان من لوازمه. على أنّ مشركي مكة كانوا يعرفون اللَّه ويعترفون به (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) [الزخرف: ٨٧]. فان قلت: فقد جعلت قوله: (اعْبُدُوا) متناولا شيئين معاً: الأمر بالعبادة، والأمر بازديادها. قلت: الازدياد من العبادة عبادة وليس شيئاً آخر. فإن قلت: (رَبَّكُمُ) ما المراد به؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي: نعمة الله حاصلة فيك، شاملة عليك لا اسأل الله النعمة الحاصلة لك ولكن اسأله دوام تلك النعمة، فلو أني سألت النعمة الحاصلة لك، لكنت كمن يسأل قائمًا أن يقوم فإنه من من تحصيل الحاصل.
قوله: (فمشروط فيها ما لا بد لها منه) وهذه مسألة أصولية وهي أن وجوب الشيء مطلقًا يوجب وجوب ما لا يتم إلا به وكان مقدورًا. قل: فيه خلاف، فعند من قال: المعارف ضرورية فالأمر بالعبادة للكافرين جائز، ومن قال: إنها غير ضروريةٍ قال: الأمر للكافر بالعبادة، الأمر بما هو من متمماتها، فيسلتزم الأمر بالمعرفة.
قوله: (وليس شيئًا آخر) وها هنا بحث وهو أن اللفظ إذا أطلق وهو محتمل لمعنيين، فلا يخلو إما: أن يطلق على حقيقتين مختلفتين كاللفظ المشترك، أو على أفراد حقيقةٍ واحدةٍ كالجنس، أو على حقيقةٍ ومجاز، وأما القسم الأول والثالث فلا يجوز إرادتهما معًا، فبقي الثاني: وهو المراد بقوله: "والأمر بازدياد العبادة عبادة وليس شيئًا آخر"؛ لأن تلك الزيادة أيضًا عبادة.