قلت: كان المشركون معتقدين ربوبيتين: ربوبية اللَّه، وربوبية آلهتهم. فإن خصوا بالخطاب فالمراد به اسم يشترك فيه رب السموات والأرض والآلهة التي كانوا يسمونها أربابا وكان قوله (الَّذِي خَلَقَكُمْ) صفة موضحة مميزة. وإن كان الخطاب للفرق جميعاً، فالمراد به «ربكم» على الحقيقة. و (الذي خلقكم) صفة جرت عليه على طريق المدح والتعظيم. ولا يمتنع هذا الوجه في خطاب الكفرة خاصة، إلا أن الأول أوضح وأصح. والخلق: إيجاد الشيء على تقدير واستواء. يقال: خلق النعل، إذا قدرها وسواها بالمقياس. وقرأ أبو عمرو: (خلقكم) بالإدغام.
وقرأ أبو السميقع: وخلق من قبلكم. وفي قراءة زيد بن على: (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) وهي قراءة مشكلة، ووجهها على إشكالها أن يقال: أقحم الموصول الثاني بين الأول وصلته تأكيداً، كما أقحم جرير في قوله:
يا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيّ لا أَبَا لَكُمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فالمراد به ربكم على الحقيقة). أي: الرب الذي إذا خوطب به مطلقًا سائر الناس لا يتبادر إلى ذهن أحدٍ غير الله تعالى. والفرق أن الرب في الأول متعدد، والمربوب واحد. أي: طائفة واحدة فلذلك يجيء اللبس، وفي الثاني: بالعكس فلا لبس.
قوله: (ولا يمتنع هذا الوجه) أي: أن تكون الصفة جارية على المدح في خطاب الكفرة، لأنهم كانوا يقولون: هؤلاء شفعاؤنا، والرب الحقيقي هو هو. وأيضًا فإذا سمعوه من جانب الحق لم يشبه عليهم، والأول أصح لما تعورف بينهم، ولأن قول السحرة (قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ* رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) [الأعراف: ١٢١ - ١٢٢] ليس إلا لدفع الاحتمال.
قوله: (وهي قراءة مشكلة) لأن فيها موصولين وصلة واحدة. والإقحام: الإدخال بالشدة.
قوله: (يا تيم تيم عدي لا أبالكم) عجزه: