ولكن «لعل» واقعة في الآية موقع المجاز لا الحقيقة، لأن اللَّه عز وجل خلق عباده ليتعبدهم بالتكليف، وركب فيهم العقول والشهوات، وأزاح العلة في أقدارهم وتمكينهم وهداهم النجدين، ووضع في أيديهم زمام الاختيار، وأراد منهم الخير والتقوى، فهم في صورة المرجوّ منهم أن يتقوا ليترجح أمرهم - وهم مختارون بين الطاعة والعصيان، كما ترجحت حال المرتجى بين أن يفعل وأن لا يفعل، ومصداقه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا) [الصافات: ١١٢]: حال مقدرة، وقدر: (وَبَشَّرْنَاهُ) بوجود إسحاق (نَبِيًّا)، أي: بأن توجد مقدرة نبوته.
قوله: (وهداهم النجدين) أي: طريقي الخير والشر.
قوله: (لترجح أمرهم)، الأساس: رجحت الشيء وزنته بيدي ونظرت ما ثقله. ومن المجاز: رجح أحد قوليه على الآخر، وترجح في القول: تميل فيه.
قوله: (حال المرتجى) أي: الذي يتوقع منه الفعل حقيقة كما قال صاحب "المفتاح": فتشبه حال المكلف الممكن من فعل الطاعة والمعصية- أي: مع تكليف الله أياه للابتلاء- بحال المرتجى المخير بني أن يفعل وأن لا يفعل- أي: مع مرتجيه الذي لا يعلم العاقبة- ثم استعير لجانب المشبه "لعل" جاعلاً قرينة الاستعارة علم الذي لا تخفى عليه خافية فيه. فهو من الاستعارة التبعية. قالوا: قوله: "لأن الرجاء لا يجوز على الله" إلى قوله: "ليس بسديد" هذا إنما يلزم إذا علق "لعل" بـ "خلقكم" وأما إذا علق بقوله: (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) اتقاءً واحترازًا من عقابه، أو اعبدوا راجين أن تحصل لكم التقوى التي هي غاية العبادة بحسب تفسي "لعل" بمعنى الترجي أو الإشفاق، فلا يكون مجازًا. وعليه قول القاضي في "تفسيره": (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)