قوله تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [هود: ٧، الملك: ٢]، وإنما يبلو ويختبر من تخفى عليه العواقب، ولكن شبه بالاختبار بناء أمرهم على الاختيار. فإن قلت: كما خلق المخاطبين لعلهم يتقون، فكذلك خلق الذين من قبلهم لذلك،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حال من الضمير في (اعْبُدُوا) كأنه قال: اعبدوا ربكم راجين أن تنخرطوا في سلك المتقين الفائزين بالهدى والفلاح المستوجبين جوار الله تعالى؛ نبه به على أن التقوى منتهى درجات السالكين، وهو التبري من كل شيءٍ سوى الله تعالى إلى الله، وأن العابد ينبغي أن لا يتغير بعبادته، ويكون ذا خوفٍ ورجاءٍ، قال الله تعالى (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) [السجدة: ١٦] (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ) [الإسراء: ٥٧] أو من مفعول (خَلَقَكُمْ) والمعطوف عليه على معنى: أنه خلقكم ومن قبلكم في صورة من يرجى منه التقوى ليترجح أمره باجتماع أسبابه وكثرة الدواعي إليه.
قلت: لعل اختيار المصنف القول الثاني لكونه أقرب إلى مذهبه. واعلم أن الذي يفهم من ظاهر كلام المصنف أن "لعل" مشترك في الترجي والإشفاق، وفي الإطماع ملحق بـ "عسى".
قال ابن الحاجب: "لعل" معناها التوقع، وقد يكون التوقع للمرجو والمخوف، ولكنه كثر في المرجو حتى صار غالبًا عليها.
قلت: وأما كونها للإطماع فلتضمنها معنى "عسى"، ومن ثم عومل معها معاملتها في قوله:
لعلك يومًا أن تلم ملمة