ونعمة يتعرفونها فيقابلونها بلازم الشكر، ويتفكرون في خلق أنفسهم وخلق ما فوقهم وتحتهم، وأن شيئا من هذه المخلوقات كلها لا يقدر على إيجاد شيء منها، فيتيقنوا عند ذلك أن لا بدّ لها من خالق ليس كمثلها، حتى لا يجعلوا المخلوقات له أندادا وهم يعلمون أنها لا تقدر على نحو ما هو عليه قادر. والموصول مع صلته إمّا أن يكون في محل النصب وصفا كـ (الذي خلقكم)، أو على المدح والتعظيم. وإمّا أن يكون رفعا على الابتداء وفيه ما في النصب من المدح. وقرأ يزيد الشامي: بساطا. وقرأ طلحة: مهادا. ومعنى جعلها فراشا وبساطا ومهادا للناس: أنهم يقعدون عليها وينامون ويتقلبون كما يتقلب أحدهم على فراشه وبساطه ومهاده. فإن قلت:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وآثارها، فينظروا إلى هذه السماء التي هي كالسقف لمفترشهم، وإليه الإشارة بقوله: ((ثم خلق السماء التي هي كالقبة المضروبة على هذا القرار)) أي: المقر والمفترش، ثم ينظروا بعد النظر إليها إلى ما يحصل من ازدواجها مع مفترشها التي هي فراشهم من أنواع الثمار والنبات، وإليه الإشارة بقوله: ((ثم ما سواه - أي: ما سواه الله -عز وجل من شبه عقد النكاح)). ثم إن المصنف ضمن في دلائل الآفاق دلائل الأنفس على سبيل الإدماج، بأن جعل دليل الأنفس مشبها به، ودليل الآفاق مشبها، وذلك قوله: "أشباه النسل المنتج من الحيوان" لينضم إلى دليل الآفاق دليل الأنفس، لله دره وبيانه وتقريره.
قوله: (يتعرفونها)، الجوهري: تعرفت ما عند فلان، أي: تطلبت حتى عرفت. أي: يطلبون ما به يعرفون وجود النعمة ليقابلوها بلازم الشكر، أي: العبادة؛ لأن الشكر لغة: الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف، ولازمه آداب الجوارح في العمل، وتحقيق مراضيه بالقلب وثناؤه باللسان. وقيل: المراد ((بلازم الشكر)): الشكر اللازم.
قوله: (وإما أن يكون رفعا على الابتداء) أي: على أنه خبر لمبتدأ محذوف