ولا تقولوا: اللَّه يشهد أنّ ما ندعيه حق، كما يقوله العاجز عن إقامة البينة على صحة دعواه وادعوا الشهداء من الناس الذين شهادتهم بينة تصحح بها الدعاوى عند الحكام. وهذا تعجيز لهم وبيان لانقطاعهم وانخذالهم. وأنّ الحجة قد بهرتهم ولم تبق لهم متشبثاً غير قولهم: اللَّه يشهد أنا صادقون. وقولهم هذا: تسجيل منهم على أنفسهم بتناهي العجز وسقوط القدرة. وعن بعض العرب أنه سئل عن نسبه فقال: قرشىّ والحمد للَّه. فقيل له: قولك «الحمد للَّه» في هذا المقام ريبة. أو ادعوا من دون اللَّه شهداءكم: يعنى أنّ اللَّه شاهدكم لأنه أقرب إليكم من حبل الوريد، وهو بينكم وبين أعناق رواحلكم. والجن والإنس شاهدوكم فادعوا كل من يشهدكم واستظهروا به من الجن والإنس إلا اللَّه تعالى، لأنه القادر وحده على أن يأتى بمثله دون كل شاهد من شهدائكم، فهو في معنى قوله: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ) الآية [الإسراء: ٨٨].
[(نْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ)].
لما أرشدهم إلى الجهة التي منها يتعرّفون أمر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعلى آله،........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (يعني أن الله شاهدكم) أي: حاضركم، وقوله: "لأنه أقرب إليكم" تعليل للتفسير أي: الشهيد بمعنى الحاضر، لقوله تعالى: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) [ق: ١٦] ولقوله صلوات الله عليه: "وهو بينكم وبين أعناق رواحلكم" والحديث من رواية البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي موسى في حديث طويل: "اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً بصيراً، وهو معكم، والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته" وهو مثلٌ لقربِ القريب، الجوهري: اربع على نفسك: أي: ارفق بنفسك وكف.
قوله. (لما أرشدهم [الله] إلى الجهة) يعني بقوله (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا) [البقرة: ٢٣] حيث أتى بـ"إن" في موضع الجزم لكون الكلام مع المرتابين، والغرض استدراجهم إلى