وما جاء به حتى يعثروا على حقيقته وسرّه وامتياز حقه من باطله. قال لهم فإذا لم تعارضوه ولم يتسهل لكم ما تبغون وبان لكم أنه معجوز عنه، فقد صرح الحق عن محضه ووجب التصديق فآمنوا وخافوا العذاب المعدّ لمن كذب. وفيه دليلان على إثبات النبوّة: صحة كون المتحدى به معجزاً، والإخبار بأنهم لن يفعلوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن يحزروا نفوسهم ويجربوا قواهم، فيعثروا على سرِّه وامتياز حقه، قال لهم: فإذا لم تعارضوه، أي: رتب على ذلك الإرشاد جملتين شرطيتين: أولاهما: محذوفة الجزاء، وثانيتهما: محذوفة الشرط لتكميل ذلك الإرشاد وتتميم التحقيق فيه.
بيانه: أن قوله: "فإذا لم تعارضوه، ولم يتسهل لكم ما تبتغون، وبان لكم أنه معجوز عنه" هو معنى قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) وهو الشرط الأول، "فقد صرح الحق عن محضة ووجب التصديق" جزاءٌ لهذا الشرط المذكور. وقوله: ((فآمنوا وخافوا العذاب)) هو معنى قوله: (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) وهو جزاءُ شرطٍ مقدر، أي: إذا "صرح الحق عن محضه ووجب التصديق فآمنوا وخافوا العذاب". يدل على هذا المقدر تصريحه بعد بقوله: "إنهم إذا لم يأتوا بها، وتبين عجزهم عن المعارضة فقد صح عندهم صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا صح عندهم صدقه ثم لزموا العناد استوجبوا العذاب".
قوله: (صرح الحق عن محضة)، الجوهري: الصريح: اللبن الخالص، والمحض كذلك.
الأساس: لبن صريحٌ: ذهبت رغوته وخلص.
الميداني: صرح الحق عن محضه، أي: انكشف الأمر وظهر، وقال أبو عمرو: أي: انكشف الباطل واسبتان الحق فعرف.
قوله: (وفيه دليلان) أي: في قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) الآية.


الصفحة التالية
Icon