أنه جار مجرى الكناية التي تعطيك اختصاراً ووجازة تغنيك عن طول المكنى عنه. ألا ترى أنّ الرجل يقول: ضربت زيداً في موضع كذا على صفة كذا، وشتمته ونكلت به، ويعد كيفيات وأفعالا، فتقول: بئسما فعلت. ولو ذكرت ما أنبته عنه، لطال عليك، وكذلك لو لم يعدل عن لفظ الإتيان إلى لفظ الفعل، لاستطيل أن يقال: فإن لم تأتوا بسورة من مثله.
ولن تأتوا بسورة من مثله. فإن قلت: (وَلَنْ تَفْعَلُوا) ما محلها؟ قلت: لا محل لها لأنها جملة اعتراضية. فإن قلت: ما حقيقة «لن» في باب النفي؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يقال إلا فيما كان عن فكر ورويةٍ، ولهذا قُرن بالعلم حتى قال بعض الأدباء: قُلِب لفظُ العمل عن لفظ العلم تنبيهاً أنه من مقتضاه. والصنع يقال في إيجاد الصورة في المواد كالصياغة والبناء، والخلق تقدير الأعراض الجسمانية وإيجادها، وقد يقال للتقدير من غير إيجادٍ، ولأن الخلق لا يستعمل إلا في إيجاد الأجسام وأعراضها امتُنِعَ من إطلاق الخلق على القرآن.
قوله: (جار مجرى الكناية) يريد بها الكناية اللغوية، وهي عدم التصريح بالشيء وتسميةُ الضمائر بها من هذا القبيل، ويمكن أن يحمل على الاصطلاحية: وهي أن يُنفى العام لينتفي الخاص. وهذا أبلغ لكن قوله: "جار مجرى الكناية" لا يساعد عليه؛ لأن ظاهره أن قوله: (وَلَنْ تَفْعَلُوا) أجري مجرى الضمير في أنه إذا تقدم أشياء يُجاء به أو باسم الإشارة فيعبر بهما عنها كقوله تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئولاً) [الإسراء: ٣٦].
قوله: (ونكلت به)، الجوهري: يقال: نكل به تنكيلاً: إذا جعله نكالاً وعِبرةً لغيره.
قوله: (جملة اعتراضية)، الكواشي: واوها استئنافية، ولا محلَّ لها من الإعراب، لأنها لم تقع موقع المفرد، ولا هي مستحقةٌ للإعراب في نفسها.


الصفحة التالية
Icon